ومنها: ما سمعوه من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه والرّموز المتضمنة لبيان شأنه، وما وجد من الكهنة والجن في تصديقه، وإشارتهم على أوليائهم من الإنس بالإيمان به.
ومنها: انتكاس الأصنام المعبودة، وخرورها لوجوهها من غير دافع لها عن أمكنتها تومئ- إلى سَائِرُ مَا رَوَى فِي الأخبار المشهورة من ظهور العجائب في ولادته وأيام حضانته، وبعدها- إلى أن بعث نبيا وبعد ما بعث.
ثم إن له من وراء هذه الآيات المعجزات: انشقاق القمر، وحنين الجذع، وخروج الماء مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى توضّأ منه ناس كثير. وتسبيح الطعام، وإجابة الشجرة إيّاه حين دعاها، وتكليم الذراع المسمومة إياه، وشهادة الذئب والضبّ والرضيع والميّت له بالرسالة، وازدياد الطعام والماء بدعائه حتى أصاب منه ناس كثير، وما كان من حلبه الشاة التي لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ، ونزول اللبن لها، وما كان من إخباره عن الكوائن، فوجد تصديقه في زمانه وبعده، وغير ذلك مما قد ذكر، ودوّن في الكتب.
وقد ذكرناها بأسانيد في كتاب «دلائل النبوة» الذي هذا «مدخله» وفي الواحد منها كفاية.
غير أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا جمع له بين أمرين: أحدهما بعثه إلى الجن والإنس عامة، والآخر: ختمه النبوة به- ظاهر له من الحجج حتى إن شذّت واحدة عن فريق بلغتهم أخرى، وإن لم تنجع واحدة، نجعت أخرى، وإن درست على الأيام واحدة بقيت أخرى، وفيه في كل حال، الحجة البالغة، وله الحمد على نظره لخلقه، ورحمته لهم كما يستحقه.