للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ فَلَمَّا بَلَّحُوا [ (٢٣) ] عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِيهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ مُحَمَّدُ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ، وَإِنْ تكن الأخرى فو الله إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَوْشَابًا [ (٢٤) ] مِنَ النَّاسِ خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ [ (٢٥) ] ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ، قَالَ: مَنْ ذَا [ (٢٦) ] ؟ قال أبو بكر: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ [ (٢٧) ] كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ كُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ [ (٢٨) ] وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ:

أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا:

الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَيْ غُدَرُ [ (٢٩) ] ؟ أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟

قَالَ: وَكَانَ


[ (٢٣) ] (بلّحوا عليّ) امتنعوا من الإجابة.
[ (٢٤) ] (الأوشاب) الأخلاط.
[ (٢٥) ] (امصص بظر اللات) البظر) القطعة التي تبقى بعد ختان المرأة ... ، (واللات) اسم أحد الأصنام، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، وبلفظ الأمر: أراد أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عنه- المبالغة في ذلك.
[ (٢٦) ] في (ص) : «من هذا» .
[ (٢٧) ] (اليد) : النعمة والإحسان.
[ (٢٨) ] كانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه، ولا سيما عند الملاطفة، وفي الغالب:
إنما يفعل ذلك النظير بالنظير، لكن كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا، والمغيرة يمنعه إجلالا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.
[ (٢٩) ] (غدر) على وزن عمر، مبالغة في الوصف بالغدر، وهو ترك الوفاء.