غَطَفَانَ وَتَكَلَّمَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ دُونَ مُحَلِّمٍ لِأَنَّهُ مِنْ خندق، فَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَتِ الْخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُيَيْنَةُ أَلَا تَقْبَلُ العير فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَا وَاللهِ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى نِسَائِهِ من الخرب وَالْحُزْنِ مَا أَدْخَلَ عَلَى نِسَائِي، قَالَ: ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَتِ الْخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عيينة لا تقبل العير» فَقَالَ عُيَيْنَةُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَى أَنْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ مُكَيْتِلٌ عَلَيْهِ شِكَّةٌ وَفِي يَدِهِ دَرَقَةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَمْ أَجِدْ لِمَا فَعَلَ هَذَا فِي غُرَّةِ الإسلام مثلا إلا غنم وَرَدَتْ فَرُمِيَ أَوَّلُهَا فَنَفَرَ آخِرُهَا اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «خَمْسُونَ فِي فَوْرِنَا هَذَا، وَخَمْسُونَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ» وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَمُحَلِّمٌ رَجُلٌ طَوِيلٌ آدَمُ وَهُوَ فِي طَرَفَيِ النَّاسِ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى تَخَلَّصَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي بَلَغَكَ وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ.
فَاسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ: «أَقَتَلْتَهُ بِسِلَاحِكَ فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ: اللهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمٍ» بِصَوْتٍ عَالٍ زَادَ أَبُو سَلَمَةَ فَقَامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَزَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبُو النّصر، قَالَ: لَمْ يَقْبَلُوا الدِّيَةَ حَتَّى قَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَخَلَا بِهِمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ سَأَلَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتِيلًا تَتْرُكُونَهُ لِيُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَمَنَعْتُمُوهُ إِيَّاهُ، أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَغْضَبَ عَلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَيَغْضَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ، أَوْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَلْعَنَكُمُ اللهُ بِلَعْنَتِهِ، لَكُمْ وَاللهِ، وَاللهِ لَتُسْلِمُنَّهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآتِيَنَّ بِخَمْسِينَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ الْقَتِيلَ كَافِرٌ مَا صَلَّى قَطُّ فَلَأُطِلَنَّ دَمَهُ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ: أَخَذُوا الديّة [ (٩) ] .
[ (٩) ] رواه ابن هشام في السيرة (٤: ٢٣٧) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute