للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] «شرح مسلم» : وعن حديث ميمونة أجوبة، أنه إنما تزوجها حلالا هكذا رواه اكثر الصحابة، قال القاضي، وغيره: لم يرو أنه تزوجها محرما غير ابن عباس وحده، وروت ميمونة وأبو رافع، وغيرهما أنه تزوجها حلالا، وهم أعرف بالقضية لتعلقهم به، وهم أضبط وأكثر، الثاني: انه تزوجها في الحرم وهو حلال، ويقال لمن هو في الحرم: محرم، وإن كان حلالا، قال الشاعر:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا
أي في الحرم، انتهى. قلت: وجدت في «صحاح الجوهري» ما يخالف ذلك، فانه قال: أحرم الرجل إذا دخل في الشهر الحرام، وانشد البيت المذكور على ذلك، وايضا فلفظ البخاري: أنه عليه السلام تزوجها وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، يدفع هذا التفسير، أو يبعده، وقال صاحب «التنقيح» . وقد حمل بعض أصحابنا قول ابن عباس: وهو محرم، اي في شهر حرام، ثم انشد البيت، ثم نقل عن الخطيب البغدادي أنه روى بسنده عن إسحاق الموصلي، قال: سأل هارون الرشيد الاصمعي الكسائي، عن قول الشاعر: قتلوا ابن عفان الخليفة محرما. فقال الأصمعي: ليس معنى هذا أنه احرم بالحج، ولا أنه في شهر حرام، ولا أنه في الحرم، فقال الكسائي: ويحك، فما معناه؟ قال الاصمعي: فما أراد عدي بن زيد بقوله:
قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولى لم يمنع بكفن
أي إحرام لكسرى؟ فقال: الرشيد: فما المعنى؟ قال: كل من لم يأت شيئا يوجب عليه عقوبة فهو محرم، لا يحل منه شيء، فقال له الرشيد: أنت لا تطاق، انتهى. قال النووي: والثالث من الأجوبة عن حديث ميمونة: ان الصحيح عند الأصوليين تقديم القول إذا عارضه الفعل، لأن القول يتعدى الى الغير والفعل قد يقتصر عليه، قال: والرابع: انه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلّم، انتهى وقال الطحاوي في كتابه «الناسخ والمنسوخ» : والأخذ بحديث أبي رافع اولى، لأنه كان السفير بينهما، وكان مباشرا للحال، وابن عباس كان حاكيا، ومباشر الحال مقدم على حاكيه، ألا ترى عائشة كيف أحالت على عليّ حين سئلت عن مسح الخف، وقالت: سلوا عليا، فانه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، انتهى.
وقال ابن الهمام في «الفتح» ص ٣٧٥- ج ٢: وما عن يزيد بن الأصم انه تزوجها، وهو حلال لم يقو قوة هذا، فانه مما اتفق عليه الستة، وحديث يزيد لم يخرجه البخاري، ولا النسائي، وأيضا لا يقاوم بابن عباس حفظا وأتقانا، ولذا قال عمرو بن دينار للزهري: وما يدري ابن الأصم كذا وكذا- لشيء قاله- أتجعله مثل ابن عباس؟! وما روى عن أبي رافع انه صلى الله عليه وسلّم تزوجها وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت انا الرسول بينهما، لم يخرج في واحد من «الصحيحين» ، وإن روى في «صحيح ابن حبان» فلم يبلغ درجة الصحة، ولذا لم يقل فيه الترمذي سوى: حديث حسن، قال: ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد عن مطر، وما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما