تضمّن قول السّائل للبراء في الرواية الثانية أولّيتم مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الثالثة أفررتم مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ البراء رضي الله عنه، فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إنه لم يولّ، وقوله في الرّواية الثانية «لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم لم يقر إثبات الفرار، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أنّ إطلاق السّائل يشمل الجميع حتّى النبي صلى الله عليه وسلم بظاهر الرّواية الثانية، ويمكن الجمع بين الثّانية والثالثة بحمل المعية على ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْتَمَلُ أن البراء فهم أنّ السائل اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع، ومررت برسول الله صلّى الله عليه وسلم منهزما، فلذلك حلف البراء أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم لم يولّ، ودلّ على أن منهزما حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى «ومررت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته» فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا، ويحتمل أن يكون السائل أخذ العموم من قوله تعالى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ فبيّن البراء أنه من العموم الّذي أريد به الخصوص. [ (٦) ] انتسب صلّى الله عليه وسلم إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله لشهرة عبد المطلّب بين النّاس لما رزق من نباهة الذّكر وطول العمر، بخلاف عبد الله فإنه مات شابّا ولهذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب كما في حديث حماد في الصحيح وقيل لأنه كان اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب رجل يدعو إلى الله ويهدي الله تعالى الخلق على يديه، ويكون خاتم الأنبياء، فانتسب ليتذكر ذلك من كان يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديما لعبد المطلب قبل أن يتزوّج عبد الله آمنة وأراد صلّى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لا بدّ من ظهوره، وإن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه صلّى الله عليه وسلم ثابت غير منهزم. [ (٧) ] أخرجه مسلم في الموضع السابق، الحديث (٧٩) ، ص (٣: ١٤٠١) عن أحمد بن جناب المصصي، عن عيسى بن يونس، عن زكريا، عن أبي إسحاق السبيعي.