للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى خُلُقٍ لَمْ أُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا ... عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا

سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بكأس روية ... وأ نهلك الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا [ (٢) ]

فَلَمَّا بَلَغَ الْأَبْيَاتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَهْدَرَ دَمَهُ، وَقَالَ: مِنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ فَكَتَبَ بِذَلِكَ بُجَيْرٌ إِلَى أَخِيهِ يَذْكُرُ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ وَيَقُولُ لَهُ:

النَّجَاءَ، وَمَا أَرَاكَ تَنْفَلِتُ.

ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَاكَ: أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْتِيهُ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ إِلَّا قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَسْقَطَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ، وَأَقْبِلْ.

فَأَسْلَمَ كَعْبٌ وَقَالَ الْقَصِيدَةَ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ مَكَانَ الْمَائِدَةِ مِنَ الْقَوْمِ، وَالْقَوْمُ مُتَحَلِّقُونَ مَعَهُ حَلْقَةً دون حلقة يلتفت هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ، وَإِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ قَالَ كَعْبٌ: فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصِّفَةِ، فَتَخَطَّيْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمْتُ، فَقُلْتُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ» ، الْأَمَانَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ: أَنَا كعب ابن زُهَيْرٍ قَالَ: «الَّذِي يَقُولُ» ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «كَيْفَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ، فَأَنْشَدَهُ أَبُو بكر.


[ (٢) ] أنهلك: سقاك النهل، وهو الشرب الأول وعلك: سقاك العلل، والعلل: الشرب الثاني، وقد وردت الأبيات في سيرة ابن هشام هكذا:
أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
فبيّن لنا إن كنت لست بفاعل ... عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ دَلَّكَا
عَلَى خُلُقٍ لَمْ أُلْفِ يوما أبا له ... عليه وما تلفي عليه أبا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل إمّا عثرت لعا لكا
سقاك بها المأمون كأسا رويّة ... فأنهلك المأمون منها وعلّكا