للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ: هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ


[ () ] إلا النواة، فمضوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم على صدقهم ويقينهم رضي الله عنهم.
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه وقد سئل عن ساعة العسرة: خرجنا فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا أَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ شديد حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا ستنقطع من العطش، وحتى أن الرَّجُلُ لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ فَيَعْصِرُ فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده.
فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عوّدك في الدعاء خيرا فادع لنا. قال: «أتحب ذلك» ؟
قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى أظلت السماء ثم سكبت فملاؤا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.
وروى أبو هريرة وأبو سعيد قالا: كنا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأصاب النّاس مجاعة وقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادّهنا. [فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «افعلوا» ] ، فجاء عمر وقال: يا رسول الله إن فعلوا قلّ الظّهر، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم فادع الله عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك [البركة] . قال: «نعم» ثم دعا بنطع، فبسط، ثم دعا بفضل الأزواد، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير. قال أبو هريرة: فحزرته فإذا هو قدر ربضة العنز، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالبركة. ثم قال: «خذوا في أوعيتكم» فأخذوا في أوعيتهم حتى- والذي لا إله إلا هو- ما بقي في العسكر وعاء إلا ملأوه، وأكل القوم حتى شبعوا، وفضلت فضلة فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما فيحجب عن الجنة» . خرّجه مسلم في صحيحه بلفظه ومعناه،
والحمد لله، وقال ابن عرفة: سمّي جيش تبوك جيش العسرة لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ندب الناس إلى الغزو في حمارة القيظ، فغلظ عليهم وعسر، وكان إبّان ابتياع الثمرة. قال: وإنما ضرب المثل بجيش العسرة لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يغز قبله في عدد مثله، لأن أصحابه يوم بدر كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، ويوم أحد سبعمائة، ويوم خيبر ألفا وخمسائة، ويوم الفتح عشرة آلاف، ويوم حنين اثني عشر ألفا، وكان جيشه في غزوة تبوك ثلاثين ألفا وزيادة، وهي آخر مغازيه [صلّى الله عليه وسلم] . وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم في رجب وأقام بتبوك شعبان وأياما من رمضان، وبث سراياه وصالح أقواما على الجزية.
وفي هذه الغزاة خلّف عليّا على المدينة فقال المنافقون: خلّفه بغضا له، فخرج خلف النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأخبره، فقال عليه السّلام: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى»
وبيّن أن قعوده بأمره عليه السّلام يوازي في الأجر خروجه معه، لأن المدار على أمر الشارع.
وإنما قيل لها: غزوة تبوك لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلم رأى قوما من أصحابه يبوكون حسي تبوك، أي يدخلون فيه القدح ويحركونه ليخرج الماء، فقال: «ما زلتم تبوكونها بوكا» فسمّيت تلك الغزوة غزوة تبوك.
الحسي (بالكسر) ما تنشّفه الأرض من الرمل، فإذا صار إلى صلابة أمسكته، فتحفر عنه الرمل فتستخرجه، وهو الاحتساء، قاله الجوهري.