«اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل: الذي يزعم أنه نبي، يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله، ثم ائتني.
فانطلق «أنيس» إلى مكة وسمع من كلام الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أبي ذر فقال له:«رأيته يأمر بمكارم الأخلاق» . فقال له أبو ذر: مَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قال: يقولون: إنه شاعر، وساحر- وكان أنيس شاعرا- وتابع أنيس حديثه قال:
لقد سمعت الكهان فما يقول بقولهم، وقد وضعت قوله على أنواع الشعر، فو الله ما يلتئم لسان أحد أنه شعر، وو الله إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ...
فقال أبو ذر لأخيه: هل أنت كافيّ حتى أنطلق؟ قال: نَعَمْ، وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ شنعوا له، وتجمعوا له.
فتزود وحمل شنة له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَا يعرفه، واتبع نصيحة أخيه في أن لا يسأل عنه، وأن يحذر أهل مكة، حتى أدركه بعض الليل، فاضطجع لينام، فرآه سيدنا علي فعرف أنّه غريب، فدعاه إلى المبيت عنده، فتبعه ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم، فلم ير النبي صلى الله عليه وسلّم، حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه،
فمر به علي فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله؟ وسار به إلى المنزل: لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، ومرّ اليوم الثالث على هذه الكيفية.
فلما كان في البيت، سأله علي رضي الله عنه قائلا:
ألا تحدثني بالذي أقدمك؟
قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا ليرشدنّني، ففعلت ... ففعل، فأخبره.