فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْقِسِّيسُونَ قُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَالًا فَوَثَبَ شَبَابٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، فَأَخَذُوهُ، فَلَمَّا دُفِنَ قُلْتُ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ! دُلُّونِي عَلَى عَالِمٍ أَكُونُ مَعَهُ، قَالُوا: لَا نَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ كَانَ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الْآنَ وَجَدْتَ حِمَارَهُ عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارٍ فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ حَتَّى خَرَجَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: اجْلِسْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ.
قَالَ: فَلَمْ أَرَهُ إِلَى الْحَوْلِ، وَكَانَ لَا يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ إِلَّا فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ مَا صَنَعْتَ لي؟ قال: وانك لها هنا بَعْدُ؟ قُلْتُ:
نَعَمْ، قَالَ لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ يَتِيمٍ خَرَجَ فِي أَرْضِ ثُمَامَةَ، وَإِنْ تَنْطَلِقِ الْآنَ تُوَافِقْهُ وَفِيهِ ثَلَاثٌ: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةِ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةِ، وَعِنْدَ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ الْيُمْنَى خَاتَمُ نُبُوَّةٍ مِثْلُ بَيْضَةٍ لَوْنُهَا لَوْنُ جِلْدِهِ، وَإِنِ انْطَلَقْتَ الْآنَ تُوَافِقْهُ.
فَانْطَلَقْتُ تَرْفَعُنِي أَرْضٌ وَتَخْفِضُنِي أُخْرَى حَتَّى أَصَابَنِي قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ فَاسْتَعْبَدُونِي فَبَاعُونِي حَتَّى وَقَعْتُ بِالْمَدِينَةِ،
فَسَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْعَيْشُ عَزِيزًا، فَسَأَلْتُ أَهْلِي أَنْ يَهَبُوا لِي يَوْمًا فَفَعَلُوا [ (٤) ] ، فَانْطَلَقْتُ فَاحْتَطَبْتُ فَبِعْتُهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ:
صَدَقَةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا، وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ.
فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ اسْتَوْهَبْتُ أَهْلِي يَوْمًا فَوَهَبُوا لِي يَوْمًا، فَانْطَلَقْتُ فَاحْتَطَبْتُ فَبِعْتُهُ بِأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَصَنَعْتُ طَعَامًا فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قُلْتُ: هَدِيَّةٌ، فَقَالَ بِيَدِهِ: بِسْمِ اللهِ، خُذُوا، فَأَكَلَ وَأَكَلُوا مَعَهُ.
وَقُمْتُ إِلَى خَلْفِهِ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فَإِذَا خَاتَمُ النُّبُوَّةِ كَأَنَّهُ بَيْضَةٌ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ
[ (٤) ] في (ح) : «ففعلت» والضمير عائد الى المرأة التي اشترته.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute