للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَاءٍ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ، ثُمَّ نَضَحْتُ عَلَى سِقَاءٍ حَتَّى ابْتَلَّ، ثُمَّ مَلَأْتُهُ، ثُمَّ رُفِعَ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَوَارَى مِنِّي فِي السَّمَاءِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جَاءَ الْيَهُودِيُّ، فَقَالَ: يَا أُمَّ شَرِيكٍ! قُلْتُ: وَاللهِ قَدْ سَقَانِي اللهُ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْزَلَ عَلَيْكِ مِنَ السَّمَاءِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَاللهِ، لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ رَفَعَ بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لَسْتُ أَرْضَى نَفْسِي لَكَ، وَلَكِنْ بُضْعِي لَكَ فَزَوِّجْنِي مَنْ شِئْتَ، فَزَوَّجَهَا زَيْدًا، وَأَمَرَ لَهَا بِثَلَاثِينَ صَاعًا، وَقَالَ كُلُوا وَلَا تَكِيلُوا، وَكَانَ مَعَهَا عُكَّةُ سَمْنٍ هَدِيَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَقَالَتْ لِجَارِيَةٍ لَهَا: بَلِّغِي هَذِهِ الْعُكَّةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قُولِي أُمُّ شَرِيكٍ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَقُولِي هَذِهِ عُكَّةُ سَمْنٍ أَهْدَيْنَاهَا لَكَ، فَانْطَلَقَتْ بِهَا فَأَخَذُوهَا فَفَرَّغُوهَا،

وقَالَ لَهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلِّقُوهَا ولا تأكلوها» ، فَعَلَّقُوهَا فِي مَكَانِهَا فَدَخَلَتْ أُمُّ شَرِيكٍ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهَا مَمْلُوءَةً سَمْنًا، فَقَالَتْ: يَا فُلَانَةُ أَلَيْسَ أَمَرْتُكِ أَنْ تَنْطَلِقِي بِهَذِهِ الْعُكَّةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم؟ فقالت: قد وَاللهِ انْطَلَقْتُ بِهَا كَمَا قُلْتِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ بِهَا أَصُوبُهَا مَا يَقْطُرُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: عَلِّقُوهَا ولا توكئوها، فَعَلَّقْتُهَا فِي مَكَانِهَا وَقَدْ أَوْكَتْهَا أُمُّ شَرِيكٍ حِينَ رَأَتْهَا مَمْلُوءَةً، فَأَكَلُوا مِنْهَا حَتَّى فَنِيَتْ، ثُمَّ كَالُوا الشَّعِيرَ فَوَجَدُوهُ ثَلَاثِينَ صَاعًا لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ

[ (٢) ] .

قُلْتُ وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلِحَدِيثِهِ فِي الْعُكَّةِ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَنْ جابر ابن عَبْدِ اللهِ فِي أُمِّ مَالِكٍ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ والله أعلم.


[ (٢) ] نقله ابن كثير في التاريخ (٦: ١٠٤) عن المصنف.