للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَبَرَهُ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَتْ: حَمَلْتُ بِهِ، فَمَا حَمَلْتُ حَمْلًا قَطُّ أَخَفَّ مِنْهُ، فَأُرِيتُ فِي الْمَنَامِ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، ثُمَّ وَقَعَ حِينَ وَلَدَتْهُ وُقُوعًا مَا يَقَعُهُ الْمَوْلُودُ، مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَدَعَاهُ عنكما [ (٣٢١) ] .


[ (٣٢١) ] حادث شق الصدر ورد في كتب السيرة باتفاق، فهو في سيرة ابن هشام (١: ١٧٦) ، وطبقات ابن سعد (١: ١١٢) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص (١١١) ، والبداية والنهاية (٢: ٢٧٥) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (١: ٥٤) ، وقد أشارت إليه كتب التفسير، في تفسير قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.
وهذا الحادث الذي يسرده المصنف، والذي وقع لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم منذ الطفولة المبكرة، واستخرج جبريل منه العلقة قائلا: «هذا حظ الشيطان منك..» قد تكرر لما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ابن عشر سنين.
فقد روى الإمام أحمد، وابن حبان، وابن عساكر، عن أبي بن كعب أن أبا هريرة سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! ما أول ما رأيت في أمر النبوة؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إني لفي صحراء، ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: «أهو هو؟» ، قال: نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إليّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي: لا أجد لأحدهما هامسا، فقال أحدهما للآخر: أضجعه، فأضجعاني بلا قسر ولا هصر، وقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أدخل يشبه الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى، فقال: اغد واسلم. فرجعت بها أغدو رقة على الصغير، ورحمة للكبير.
وقد تكررت حادثة شق الصدر مرة أخرى والنبي صلّى الله عليه وسلّم، رسول جاوز الخمسين من عمره،
فعن مالك ابن صعصعة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدثهم عن ليلة أسري به، قال: «بينما أنا في الحطيم- أو قال في الحجر- مضطجع بين النائم واليقظان، أتاني آت، فشق ما بين هذه إلى هذه- يعني من ثغرة نحره إلى شعرته- قال: فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا، فغسل قلبي، ثم أحشائي ثم أعيد ... » [أخرجه مسلم، وأحمد (٣: ١٢١) ، والحاكم (٢: ٦١٦) ] .
وقصة شق الصدر هذه تشير إلى تعهد الله- عز وجل- نبيه صلّى الله عليه وسلّم، عن مزالق الطبع الإنساني، ووساوس الشيطان، وهو حصانة للرسول الكريم التي أضفاها الله عليه.