للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: مَاتَ، وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى بَلَدِهِ، وَاحْذَرْ عليه اليهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لَيَبْغُنَّهُ شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ، فَأَسْرِعْ بِهِ إِلَى بِلَادِهِ. فَخَرَجَ بِهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ سَرِيعًا حَتَّى أَقْدَمَهُ مَكَّةَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ بِالشَّامِ. فَزَعَمُوا فِيمَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ:

أَنَّ زُبَيْرًا وَثَمَّامًا وَدَرِيسًا [ (٢١) ] ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَدْ كَانُوا رَأَوْا مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فِي ذَلِكَ السَّفَرِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ أَشْيَاءَ، فَأَرَادُوهُ فَرَدَّهُمْ عَنْهُ بَحِيرَاءُ، وَذَكَّرَهُمُ اللهَ، وَمَا يَجِدُونَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ أَجْمَعُوا بِمَا أَرَادُوا لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيْهِ حَتَّى عَرَفُوا مَا قَالَ لَهُمْ وَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ، فَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ مَسِيرَهُ بِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَمَا أَرَادَ مِنْهُ أُولَئِكَ النَّفَرُ، وَمَا قَالَ لَهُمْ فِيهِ بَحِيرَاءُ [ (٢٢) ] .

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثَلَاثَ قَصَائِدَ مِنْ شِعْرِهِ فِي ذَلِكَ.


[ (٢١) ] في (م) : «زبيرا وتماما» ، وفي (ح) : «زبير وثمام» .
[ (٢٢) ] ينسب هذا الشعر الى ابي طالب، وهو ظاهر الركاكة مما يدل على وضعه، ومنه:
إنّ ابن آمنة الأمين محمدا ... عندي بمثل منازل الأولاد
لمّا تعلّق بالزّمام رحمته ... والعيس قد قلّصن بالأزواد
فارفضّى من عينيّ دمع ذارف ... مثل الجمان مفرّق الأفراد
راعيت منه قرابة موصولة ... وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسّير بين عمومة ... بيض الوجوه مصالت أنجاد
ساروا لأبعد طية معلومة ... فلقد تباعد طيّة المرتاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا ... لاقوا على شرك من المرصاد
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا ... عنه وردّ معاشر الحسّاد
قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى ... ظل الغمامة ثاغري الأكباد
ساروا لفتك محمد فنهاهم ... عنه وأجهد أحسن الإجهاد
فثنى زبيراء بحير فانثنى ... في القوم بعد تجادل وتعاد
ونهى دريسا فانتهى لمّا نهى ... عن قول حبر ناطق بسداد