للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَيْئًا تَأْكُلْهُ. فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ يَمْشِي وَأَتَّبِعُهُ، يَذْكُرُ اللهَ وَلَا يَلْتَفِتُ، وَلَا يَقِفُ عَلَى شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا أَمْسَى، قَالَ: يَا سَلْمَانُ، صَلِّ أَنْتَ وَنَمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ.

ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يُصَلِّي، إِلَى أَنِ انْتَهَيْنَا [ (٣٢) ] إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِذَا أَمْسَى حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِذَا عَلَى الْبَابِ مُقْعَدٌ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، قَدْ تَرَى حَالِي فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَدَخَلْتُ مَعَهُ. فَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ [ (٣٣) ] أَمْكِنَةً مِنَ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: يَا سَلْمَانُ، إِنِّي لَمْ أَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ أَجِدْ طَعْمَ نَوْمٍ، فَإِنْ أَنْتَ جَعَلْتَ لِي أَنْ تُوقِظَنِي إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا- نِمْتُ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَنَامَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَإِلَّا لَمْ أَنَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ، قَالَ: فَانْظُرْ إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَأَيْقِظْنِي إِذَا غَلَبَتْنِي عَيْنِي. فَنَامَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا لَمْ يَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ، لَأَدَعَنَّهُ ينام حتى يشتفي مِنَ النَّوْمِ. وَكَانَ فِيمَا يَمْشِي، وَأَنَا مَعَهُ، يُقْبِلُ عَلَيَّ فَيَعِظُنِي وَيخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبًّا، وَأَنَّ بَيْنَ يَدَيَّ [ (٣٤) ] جَنَّةً وَنَارًا وَحِسَابًا، وَيُعَلِّمُنِي وَيُذَكِّرُني نَحْوَ مَا كَانَ يُذَكِّرُ الْقَوْمَ يَوْمَ الْأَحَدِ، حَتَّى قَالَ فِيمَا يَقُولُ لِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ اللهَ، تَعَالَى، سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُولًا اسْمُهُ أَحْمَدُ، يَخْرُجُ بِتِهَامَةَ- وَكَانَ رَجُلًا أَعْجَمِيًّا لَا يُحْسِنُ أَنْ يَقُولَ تِهَامَةَ ولا محمد- عَلَامَتُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، لايقبل الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمٌ، وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ فَقَدْ تَقَارَبَ، فَأَمَّا أَنَا فَشَيْخٌ [ (٣٥) ] كَبِيرٌ وَلَا أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ أَنْتَ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ. قُلْتُ: وإن أمرني بترك دينك وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟

قَالَ: وَإِنْ أَمَرَكَ، فَإِنَّ الْحَقَّ فِيمَا يَجِيءُ بِهِ، وَرِضَا الرَّحْمَنِ فِيمَا قَالَ. قَالَ:


[ (٣٢) ] في (هـ) و (م) : «انتهى» .
[ (٣٣) ] في (م) : «يتّبع» .
[ (٣٤) ] في (م) : «يديه» .
[ (٣٥) ] في (م) : «فإني شيخ» .