للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَعْشَرَ إِيَادٍ، أَيْنَ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ؟ وَأَيْنَ الْمَرِيضُ وَالْعُوَّادُ؟ وَأَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟

أَيْنَ مَنْ بَنَى وَشَيَّدَ؟! وَزَخْرَفَ وَنَجَّدَ؟! وَغَرَّهُ الْمَالُ وَالْوَلَدُ؟! أَيْنَ مَنْ بَغَى وَطَغَى، وَجَمَعَ فَأَوْعَى، وَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى؟! أَلَمْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْكُمْ أَمْوَالًا، وَأَبْعَدَ مِنْكُمْ آمَالًا، وَأَطْوَلَ مِنْكُمْ آجَالًا؟! طَحَنَهُمُ الثَّرَى بِكَلْكَلِهِ، وَمَزَّقَهُمْ بِتَطَاوُلِهِ، فَتِلْكَ عِظَامُهُمْ بَالِيَةٌ، وَبُيُوتُهُمْ خَالِيَةٌ، عَمَرَتْهَا الذِّئَابُ الْعَاوِيَةُ [ (٢٩) ] ، كَلَّا، بَلْ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْمَعْبُودُ، لَيْسَ بِوَالدٍ وَلَا مَوْلُودٍ!! ثم أنشأ يقول:

في الذاهبين الأولين ... من الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ

لَمَّا رأيت مواردا للمو ... ت لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ

وَرَأَيْتُ قَوْمِيَ نَحْوَهَا ... يَمْضِي الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ

لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ

أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا محا ... لة حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ

قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ. فَقَامَ [ (٣٠) ] رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بَعْدَهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ جَبَلٍ، ذُو هَامَةٍ عَظِيمَةٍ، وَقَامَةٍ جَسِيمَةٍ، قَدْ دَوَّمَ عَمَامَتَهُ، وَأَرْخَى ذُؤَابَتَهُ، مُنِيفٌ أَنُوفٌ أَحْدَقُ [ (٣١) ] أَجَشُّ الصَّوْتِ، فَقَالَ:

يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ، وَصَفْوَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ قُسٍّ عَجَبًا، وَشَهِدْتُ مِنْهُ مَرْغَبًا. فَقَالَ: وَمَا الَّذِي رَأَيْتَهُ مِنْهُ وَحَفِظْتَهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: خَرَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَطْلُبُ بَعِيرًا لِي شَرَدَ مِنِّي كُنْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ [ (٣٢) ] وَأَطْلُبُ خَبَرَهُ، فِي نَتَائِفَ حَقَائِفَ [ (٣٣) ] ، ذَاتِ دَعَادِعَ وَزَعَازِعَ، لَيْسَ بِهَا لِلرَّكْبِ مَقِيلٌ، ولا لغير الجن [ (٣٤) ]


[ (٢٩) ] في (م) : «العادية» .
[ (٣٠) ] في (م) : «وقام» .
[ (٣١) ] في (م) و (هـ) : «أشدق» .
[ (٣٢) ] ليست في (م) .
[ (٣٣) ] في (م) : «تنايف حقايف» .
[ (٣٤) ] في (ح) و (م) : «الحق» .