فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم من عندهم، وقد يئس من خير ثقيف ... وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم: يسبونه ويصيحون به. حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه الى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه.
فعمد الى ظل حبلة من عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران اليه، ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف.
فلما اطمأن قال فيما ذكر:«اللهم إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملّكته أمري؟
إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي.. ولكنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بك» .
فلما رأى ابنا ربيعة عتبة وشيبة ما لقى، دعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له:
عدّاس فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في ذلك الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه. ففعل، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ حَتَّى وضعه بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما وضع رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، قال: بسم الله، ثم أكل.
فنظر عدّاس الى وَجْهُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ، إِنَّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذا البلد.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ومن أي البلاد أنت؟ وما دينك؟
قال: أنا نصراني، وأنا رجل مِنْ أَهْلِ نِينَوَى.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: من قرية الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ متّى؟