للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَوَقَفَ ثُمَّ

قَالَ: «أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ» فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا مِنْهُمْ مِنْ رَجُلٍ إِلَّا وَكَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً [ (١٢) ] قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ [ (١٣) ] أَحْسَنَ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ رَاشِدًا فَمَا أَنْتَ بِجَهُولٍ.

فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تركتموه، فبيناهم عَلَى ذَلِكَ طَلَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ أَنْتَ [ (١٤) ] الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَيَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: نَعَمْ أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجَامِعِ رِدَائِهِ

وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (١٥) ] يَبْكِي دُونَهُ وَيَقُولُ: وَيْلَكُمْ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ: رَبِّيَ اللهُ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ وَإِنَّ ذَلِكَ لَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَوْعَدَهُمْ بِالذَّبْحِ وَهُوَ الْقَتْلُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ صَدَقَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهَ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ فَقَطَعَ دَابِرَهُمْ، وَكَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهَمْ» .

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قيل لعمرو ابن الْعَاصِ. قُلْتُ وَكَذَلِكَ قَالَهُ سليمان بن بلال عن هشام.


[ (١٢) ] (الوصاة) : الوصية، يعني الذين كانوا يحرصون عليه ويوصون بإيذائه.
[ (١٣) ] (يرفؤه) : يهدئه، ويسكنه.
[ (١٤) ] في (م) : «أأنت» .
[ (١٥) ] الزيادة من (ح) ، ومن سيرة ابن هِشَامٍ.