للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهُوَ خَائِفٌ وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ النَّاسِ فَهُوَ مُعَافًى، فَعَهِدَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ يَا عَمِّ قَدْ أَجَرْتَنِي وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِيَ إِلَى عَشِيرَتِكَ فَتَبْرَأَ مِنِّي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: يَا ابْنَ أَخِي لَعَلَّ أَحَدًا مِنْ قَوْمِكَ آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ وَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي فَأَكْفِيكَ ذَاكَ، قَالَ: لَا وَاللهِ مَا اعْتَرَضَ لِي أَحَدٌ وَلَا آذَانِي، فَلَمَّا أَبَى إِلَّا أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ الْوَلِيدُ، أَخْرَجَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ كَأَحْفَلِ مَا كَانُوا، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ يُنْشِدُهُمْ فَأَخَذَ الْوَلِيدُ بِيَدِ عُثْمَانَ فَأَتَى بِهِ قُرَيْشًا فَقَالَ إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْ جِوَارِهِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقَ، أَنَا وَاللهِ أَكْرَهْتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مني بريء ثم جلسنا مَعَ الْقَوْمِ وَلَبِيدٌ يُنْشِدُهُمْ فقال لبيد:

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ

فَقَالَ عُثْمَانُ صَدَقْتَ، ثُمَّ أَتَمَّ لَبِيدٌ الْبَيْتَ فَقَالَ:

وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ

فَقَالَ عُثْمَانُ: كَذَبْتَ [ (١٤) ] ، فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ ثُمَّ أَعَادُوهَا [ (١٥) ] الثَّانِيَةَ وَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ فَقَالَ عُثْمَانُ حِينَ أَعَادَهَا مِثْلَ كَلِمَتَيْهِ الأولتين صَدَّقَهُ مَرَّةً وَكَذَّبَهُ مَرَّةً [ (١٦) ] وَإِذَا ذَكَرَ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ صَدَّقَهُ وَإِذَا ذَكَرَ كُلُّ نُعَيْمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ كَذَّبَهُ، لِأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، فَنَزَلَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَاخْضَرَّتْ. فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ: قَدْ كُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَانِعَةٍ مَمْنُوعَةٍ [ (١٧) ] فَخَرَجْتَ مِنْهَا وكنت عن الذي


[ (١٤) ] في السيرة لابن هشام: «كذبت، نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ» .
[ (١٥) ] في (ص) : «أعادوا الثانية» ، وفي (ح) : «أعادها» .
[ (١٦) ] في (ح) : «أخرى» .
[ (١٧) ] في (هـ) : «في ذمة مانعة، ومنعة ممنوعة» . وفي (ص) : «في ذمة ومنعة ممنوعة» .