للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَخَاهُ، فَدَخَلَ النَّجَاشِيُّ لِعَمِّهِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ فَلَا يُدَبِّرُ أَمْرَهُ غَيْرُهُ وَكَانَ لَبِيبًا فَلَمَّا رَأَتِ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ مِنْ عَمِّهِ قَالُوا لَقَدْ غَلَبَ هَذَا الْغُلَامُ أَمْرَ عَمِّهِ، فَمَا نَأْمَنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا وَقَدْ عَرَفَ أَنَّا قَدْ قَتَلْنَا أَبَاهُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَدَعْ مِنَّا شَرِيفًا إِلَّا قَتَلَهُ، فَكَلَّمُوهُ فِيهِ فَلْنَقْتُلْهُ، أَوْ نُخْرِجْهُ مِنْ بِلَادِنَا فَمَشُوا إِلَى عَمِّهِ فَقَالُوا: قَدْ رَأَيْنَا مَكَانَ هَذَا الْفَتَى مِنْكَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّا قَدْ قَتَلْنَا أَبَاهُ وَجَعَلْنَاكَ مَكَانَهُ وَإِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ تُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا فَيَقْتُلَنَا، فَإِمَّا أَنْ نَقْتُلَهُ وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بِلَادِنَا! قَالَ: فَقَالَ وَيْحَكُمْ قَتَلْتُمْ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ وَأَقْتُلُهُ الْيَوْمَ، بَلْ أُخْرِجَهُ مِنْ بِلَادِكُمْ.

فَخَرَجُوا بِهِ فَوَقَفُوهُ بِالسُّوقِ فَبَاعُوهُ مِنْ تَاجِرٍ مِنَ التُّجَّارِ فَقَذَفَهُ فِي سفينة بستمئة دِرْهَمٍ أَوْ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ.. فَانْطَلَقَ بِهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَابِ الْخَرِيفِ فَجَعَلَ عَمُّهُ يَتَمَطَّرُ تَحْتَهَا فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ، فَفَزِعُوا إِلَى وَلَدِهِ فَإِذَا هُمْ مُحَمَّقِينَ [ (٥١) ] لَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ خَيْرٌ. فَمَرَجَ [ (٥٢) ] عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْلَمُونَ وَاللهِ إِنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لَا يُصْلِحُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ للّذي يعتم بِالْغَدَاةِ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوهُ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ.

فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَدْرَكُوهُ فَرَدُّوهُ فَعَقَدُوا عَلَيْهِ تَاجَهُ وَأَجْلَسُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ وَمَلَّكُوهُ، فَقَالَ التَّاجِرُ: رُدُّوا عَلَيَّ مَالِي كَمَا أَخَذْتُمْ مِنِّي غُلَامِي، فَقَالُوا لَا نُعْطِيكَ فَقَالَ إِذًا [وَاللهِ] [ (٥٣) ] أُكَلِّمَهُ فَقَالُوا وَإِنْ. فَمَشَى إِلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي ابْتَعْتُ غُلَامًا فَقَبَضُوا مِنِّي الَّذِي بَاعُونِيهِ ثَمَنَهُ ثُمَّ عَدَمُوا عَلَى غُلَامِي فَنَزَعُوهُ مِنْ يَدِي وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيَّ مَالِي فَكَانَ أَوَّلُ مَا خُبِرَ مِنْ صَلَابَةِ حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ أَنْ قال لتردّنّ عليه ما له أَوْ لَيَجْعَلَنَّ غُلَامُهُ يَدَهُ فِي يَدِهِ فَلْيَذْهَبَنَّ بِهِ حَيْثُ شَاءَ فَقَالُوا بَلْ نُعْطِيهِ مَالَهُ


[ (٥١) ] «محمق» : الذي يلد الحمقى.
[ (٥٢) ] (مرج) : قلق واضطرب.
[ (٥٣) ] من (ح) .