للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شيوخه في سنة (٣٩٩) وكان قد بلغ خمسة عشر عاما.

وعلى عادة المحدثين في الرحلة في طلب العلم، فقد مضى البيهقي الى بلاد شتى، رحل الى العراق، والحجاز، وسمع في نوقان، واسفرايين، وطوس، والمهرجان، وأسدآباد، وهمدان، والدامغان، وأصبهان، والري، والطبران، ونيسابور، وروذبار، وبغداد، والكوفة ومكة، وطوّف الآفاق.

وكان في كل ذلك يصدر عن نفس خاشعة ورعة، ترقب الله، وتطلب العلم لوجه العلم، راض صابر على بأساء الحياة، لا يشكو قلة ولا عوزا، فإن همته العالية، ونفسه السامية لا ترى فوق العلم مطلبا أنفس منه، وهو سبب القوة الوثيق، ونسبها العريق، وبه تسمو النفس، وهو الحقيقة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلّم مثل العلماء الأعلى، وأقرّها في أنفسهم بجميع أخلاقه وأعماله، وما العالم بفضائله الا امتداد من أثر النبوة تعيش حوله أمته كلها، لا إنسان ضيق مجتمع حول نفسه بمنافع الدنيا، ولن يكون الإسلام صحيحا تاما حتى يجعل حامله من نبيه مثله الكامل، يقهر نفسه، ولا يضطرب، ولا يخشى مخلوقا.

هذه الأخلاق السامية العليا التي اقتبسها البيهقي وتمكن منها بنزاهة قصده، وخلوص نيته، ومراقبته لله، وتقلله من أعباء الدنيا، وإيثاره الصيام ثلاثين سنة ليسمو بروحه، صقلت مواهبه، وبكرت بنبوغه، وسددت خطاه.

وكان لشيوخه الذين زاد عددهم على مائة شيخ الفضل الكبير خلفا من


[ () ] بالتعصب للشيعة في جميع العصور، وكان بالناحية محاجر للرخام، وخرج من «باشتين» المحدث الشافعي «أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحُسَيْنِ بن علي» .
وقد فتحت بيهق سنة ثلاثين من الهجرة، ودخلها عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بن كريز حينما رجع من كرمان، واصطلح معه أهلها، ودخل فيها كثير من الصحابة واستوطن بها، ومات فيها ابو رفاعة تميم بن أسيد العدوي، وزهير بن ذؤيب، وابن بشر الأنصاري، وأقام فيها مدة: شهر بن حوشب، وعكرمة مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عباس، وقنبر مولى علي بن أبي طالب.

<<  <  ج: ص:  >  >>