للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلْيَكُفَّ عَنَّا مَا نَكْرَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِهَذَا الرَّجُلِ الْغَرِيبِ مَعَهُ يَتَسَفَّهُ بِهِ سُفَهَاؤنَا وَضُعَفَاؤُنَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنَ الْقَرَابَةِ كَفَيْتُكَ ذَلِكَ.

فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الْحَرْبَةَ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَاهُمَا، فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: هَذَا وَاللهِ سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ فَأَبْلِ اللهَ فِيهِ بَلَاءً حَسَنًا.

قَالَ: إِنْ يَقْعُدْ أُكَلِّمْهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا فَقَالَ: يا أسعد! مالنا وَلَكَ تَأْتِينَا بِهَذَا الرَّجُلِ الْغَرِيبِ يَسْفَهُ بِهِ سُفَهَاؤُنَا وَضُعَفَاؤُنَا، فَقَالَ: أَوَ تَجْلِسُ فَتَسْمَعُ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ.

فَقَالَ: قَدْ أَنْصَفْتُمْ، ثُمَّ رَكَزَ الحربة وجلس، فكلمه مصعب بْنُ عُمَيْرٍ وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فو الله لَعَرَفْنَا الْإِسْلَامَ فِي وَجْهِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ لِتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ، وَكَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا دَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ؟ قَالَا: تَغْتَسِلَ، وَتُطَهِّرَ ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَفَعَلَ.

ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إِنَّ وَرَائِي رَجُلًا مِنْ قَوْمِي إِنْ تَابَعَكُمَا لَمْ يُخَالِفْكُمَا أَحَدٌ بَعْدَهُ.

ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا قَالَ:

أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ رَجَعَ عَلَيْكُمْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، مَاذَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: قَدِ ازْدَجَرْتُهُمَا، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ يُرِيدُونَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ لِيُخْفِرُوكَ فِيهِ، لِأَنَّهُ ابْنُ خَالَتِكَ، فَقَامَ إِلَيْهِ سَعْدٌ مُغْضَبًا فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ مِنْ يَدَهِ، قَالَ: وَاللهِ مَا أَرَاكَ أَغْنَيْتَ شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَدْ طَلَعَ عَلَيْهِمَا، قَالَ لِمُصْعَبٍ: هَذَا وَاللهِ سَيِّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ إِنْ هُوَ تَابَعَكَ لَمْ يُخَالِفْكَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاصْدُقِ اللهَ فِيهِ، فَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ: إِنْ يَسْمَعْ مِنِّي أُكَلِّمْهُ.