للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «فَلَمَّا أَيْقَنَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَدْ بُويِعَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَلْحَقُوا بِإِخْوَانِهِمْ بِالْمَدِينَةِ تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالُوا: الْآنَ فَأَجْمِعُوا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم فو الله لَكَأَنَّهُ قَدْ كَرَّ عَلَيْكُمْ بِالرِّجَالِ فَأَثْبِتُوهُ أَوِ اقْتُلُوهُ أَوْ أَخْرِجُوهُ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَقْتُلُوهُ فَلَمَّا دَخَلُوا الدَّارَ اعْتَرَضَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ جَمِيلٍ فِي بَتٍّ لَهُ وَالْبَتُّ:

الْكِسَاءُ [ (٣) ] فَقَالَ: أَدْخُلُ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِالَّذِي اجْتَمَعْتُمْ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ مَعَكُمْ، فَعَسَى أَنْ لَا يَعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْيٌ وَنُصْحٌ، فَقَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ.

فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَدْ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ فَأَجْمِعُوا فِي هَذَا الرَّجُلِ رَأْيًا وَاحِدًا، وَكَانَ مِمَّنِ اجْتَمَعَ لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ: شَيْبَةُ وَعُتْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وأبو جهل بن هشام، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَرَى أَنْ تَحْبِسُوهُ وَتَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ:

زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، وَالنَّابِغَةُ، وَغَيْرُهُمَا.

فَقَالَ النَّجْدِيُّ: وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، وَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَيَخْرُجَ رَأْيُهُ وَحَدِيثُهُ حَيْثُ حَبَسْتُمُوهُ إِلَى مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَوْشَكَ أَنْ يَنْتَزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَغْلِبُوكُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: بَلْ نُخْرِجُهُ فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلَادِنَا، فَإِذَا غُيِّبَ عَنَّا وجهه وحديثه فو الله مَا نُبَالِي أَيْنَ وَقَعَ مِنَ الْبِلَادِ، وَلَئِنْ كَانَ أَجْمَعْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرَنَا وَأَصْلَحْنَا ذَاتَ بَيْنِنَا، قَالَ النَّجْدِيُّ: لَا وَاللهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، أَمَا رَأَيْتُمْ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ وَحُسْنَ حَدِيثِهِ وَغَلَبَتَهُ عَلَى مَنْ يَلْقَاهُ دُونَ مَنْ خَالَفَهُ، وَاللهِ لَكَأَنِّي بِهِ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ عَلَى قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ


[ (٣) ] وهو الكساء الغليظ المربع، وقيل الطيلسان من خز، وفي تهذيب اللغة: «البت ضرب من الطيالسة، يسمى الساج مربع غليظ أخضر، وجمعه: أبت، وبتات، وبتوت. وفي الصحاح للجوهري: البتي الذي يعمله، ومنه: عثمان بن سليمان البتي المحدث، كان يبيع البتوت.