للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتضح من خلال النقول السابقة أن الماتريدية لا تثبت صفات الأفعال على أنها أوصاف حقيقية لذات الرب، وتجعلها صفة واحدة أزلية هي التكوين، وهذه الصفة لا تتعلق بمشيئة الرب.

وأما المعتزلة فإنهم ينفون جميع صفات الله - تعالى -، وقد تأولوا الإحياء والإماتة على أنها مخلوق منفصل عن الله - تعالى -، يقول معمر١: " {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك - ٢] إنما معناه خلق الإماتة والإحياء "٢، وعلق ابن حزم٣ عليه بقوله: ".. الموت والحياة هما الإحياء والإماتة بلا شك، لأن الإحياء والحياة هو جمع النفس مع الجسد المركب الأرضي، والموت والإماتة شيء واحد وهو التفريق بين الجسد والنفس المذكورة فقط، وإذا كان جمع الجسد والنفس، وتفريقهما، مخلوقين لله - عز وجل -، فقد صح أن الموت والحياة مخلوقان له - عز وجل - يقينا"٤.

ويتفق المعتزلة، مع الأشاعرة، وطائفة من الفلاسفة المتأخرين، على أن فعل الله هو عين المفعول، وأن التكوين عين المُكَون، وأن الرب - تعالى - لا يقوم به شيء من الأفعال الاختيارية المتعلقة بقدرته ومشيئته.

وقد بين شيخ الإسلام - رحمه الله - أصل النزاع في الأفعال اللازمة والمتعدية، وأن ذلك ناشىء عن نزاع الناس في أصلين٥:

الأصل الأول: هل يقوم بالرب - تعالى - فعل من الأفعال، فيكون خلقه للسموات والأرض فعلاً فعله غير المخلوق، أو أن فعله هو المفعول والخلق هو المخلوق؟ على قولين، والأول هو المأثور عن السلف قاطبة، وهو قول جمهور أصحاب أحمد، متقدميهم كلهم وأكثر المتأخرين منهم، وهو قول أئمة المالكية والشافعية وأهل الحديث، وهو مذهب


١ - معمر بن عباد السلمي، رأس فرقة المعمرية من المعتزلة. انظر مقالاته في: الفرق بين الفرق ص١٥١ - ١٥٥، الملل والنحل١/٦٥ - ٧٠.
٢ - الفصل لابن حزم٢/٩٢.
٣ - أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، عالم الأندلس في عصره، قيل إنه تفقه أولا للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، له مصنفات كثيرة منها: الفصل في الملل والنحل، و"المحلى"في الفقه، توفي سنة٤٥٦هجرية. انظر: السير١٨/١٨٤ - ١٨٦، الأعلام٤/٢٥٤.
٤ - الفصل٢/٩٢.
٥ - انظر: مجموع الفتاوى ٥ /٥٢٨ - ٥٣٦، الدرء ٢/١٨ - ٢٠، ١٤٧ بتصرف.

<<  <   >  >>