للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا فرقوا في منطقهم بين الماهية والوجود، وهم لو فسروا الماهية بما يكون في الأذهان، والوجود بما يكون في الأعيان، لكان هذا صحيحاً لا ينازع فيه عاقل، وهذا هو الذي تخيلوه في الأصل، لكن توهموا أن تلك الماهية التي في الذهن، هي بعينها الموجود الذي في الخارج، فظنوا أن في هذا الإنسان المعين، جواهر عقلية قائمة بأنفسها، مغايرة لهذا المعين، مثل كونه حيواناً، وناطقاً، وحساساً، ومتحركاً بالإرادة، ونحو ذلك. والصواب أن هذه كلها أسماء لهذا المعين، كل اسم يتضمن صفة، ليست هي الصفة التي يتضمنها الاسم الآخر، فالعين واحدة، والأسماء والصفات متعددة. وأما إثباتهم أعياناً قائمة بنفسها، في هذه العين المعينة، فمكابرة للحس والعقل والشرع. فهذا الموجود المعين في الخارج هو هو، ليس هناك جوهران اثنان، حتى يكون أحدهما عارضا للآخر، أو معروضاً، بل هناك ذات وصفات١.

فحقيقة قول الفلاسفة في الماهية هو إثبات حقيقة في الخارج، معراة عن الأوصاف، وهذا ممتنع، إذ أقل ما يوصف به الشيء ليتحقق في الخارج، هو صفة الوجود، وهم يفرقون بين الماهية والوجود مطلقاً، وهذا باطل.

ج - معنى الماهية عند المتكلمين:

يعرف كثير من متأخري المتكلمين ماهية الشيء بأنها "مابه يجاب عن السؤال بما هو، ويفسره بما به الشيء هو هو"٢، وهذا موافق لتعريف الفلاسفة السابق، ويتضح هذا التعريف بقول الرازي عن الماهية: "إعلم أن لكل شيء حقيقة هو بها هو، وتلك الحقيقة مغايرة لجميع صفاتها، لازمة كانت، أو مفارقة..وهي في نفسها لا واحدة ولا كثيرة، ولا موجودة ولا معدومة"٣.

وفي التعريفات: "الماهية تطلق غالبا على الأمر المتعقل، مثل المتعقل من الإنسان، وهو الحيوان الناطق، مع قطع النظر عن الوجود الخارجي"٤.


١ - انظر: الدرء١/٢٨٨.
٢ - شرح المقاصد١/٣٩٩، وانظر: الكليات ص٧٥٢، ٨٦٣، كشاف اصطلاحات الفنون ٢/١٣١٣، التعريفات ص٢٤٧.
٣ - المباحث المشرقية ١/١٣٩ - ١٤٠، وانظر: المواقف ص٥٩، شرح المقاصد ١/٤٠٠ - ٤٠١.
٤ - التعريفات ص٢٤٧، وانظر: المعجم الفلسفي للدكتور صليبا ٢/٣١٥.

<<  <   >  >>