للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمُبَاحٍ سُقِيَ الأعْلى (١) إنْ تَقَدَّمَ لِلكَعْب وأمِرَ بِالتَّسْويَةِ (٢)، وإلَّا فَكَحَائطَيْنِ. وقُسِمَ للمُتَقابلَيْنِ كالنِّيلِ، وإنْ مُلِكَ أوَّلًا قُسِمَ بِقلْدٍ أوْ غيْرهِ، وَأقرعِ للتَّشَاحِّ في السَّبْقِ، ولَا يَمْنعُ صَيْدَ سَمَكٍ وَإنْ مِنْ مِلْكِهِ، وَهَلْ في أرْضِ الْعَنْوة فَقَطْ أوْ إلَّا أنْ يَصِيدَ الْمَالِكُ؟ تأوِيلَانِ. وكَلَأً بِفحْصٍ وَعَفَاءٍ لَمْ يَكْتَنفْهُ زَرْعُهُ بِخِلَافِ مَرْجِهِ وحِمَاهُ.

(١) وقوله: وإن سال مطر بمباح سقي الأعلى. قال ابن قدامة: إذا كان الماء نهرًا صغيرًا يزدحم الناس فيه، ويتشاحون في مائه، أو سيلًا يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه، فإنه يبدأ بمن في أول النهر، فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ إلى الكعب، ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك، وعلى هذا إلى أن تنتهي الأرض كلها، فإن لم يفضل عن الأول شيء، أو عن الثاني، أو عمن يليهم، فلا شيء للباقين، لأنه ليس لهم إلا ما فضل، فهم كالعصبة في الميراث، قال: وهذا قول فقهاء المدينة، ومالك، والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفًا.

قال: والأصل في هذا ما روى عبد الله بن الزبير؛ أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون منها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ". فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله، أنْ كان ابن عمتك؟. فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجعَ إلَى الْجَدْرِ". قال الزبير: فوالله إِني لأحسب هذه الآية نزلت فيه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (١). متفق عليه. ورواه مالك في الموطإ عن الزهري، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير، وذكر عنه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: نظرنا في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حتَّى يَبْلُغَ إِلَى الْجَدْرِ". فكان ذلك إلى الكعبين، قال: وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الزبير أن يسقي ثم يرسل الماء تسهيلًا على غيره، فلما قال الأنصاري ما قال استوعى النبي - صلى الله عليه وسلم - الزبير حقه قال: وروى مالك في الموطإ أيضًا عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في سبل مهزوز ومذينيب: "يُمْسِكُ حَتَّى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الأعْلَى عَلَى الأسْفَلِ". قال ابن عبد البر: =


(١) سورة النساء: ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>