وقال الحطاب: لما فرغ رحمه الله من الكلام على القتل والجرح اللذين يكون عنهما إذهاب النفس، الذي هو من أعظم الذنوب في حق الآدميين، أتبع ذلك بالكلام على الجنايات التي توجب سفك الدماء أو ما دونه من العقوبات. والجناية هي ما يحدثه الرجل على نفسه أو على غيره مما يضر حالًا أو مآلًا. قال: وبدأ المُصَنِّف بالبغي لأنه أعظمها مفسدة؛ إذ فيه إذهاب الأنفس والأموال غالبًا.
فقال: باب، أي هذا باب أذكر فيه أحكام البغي، ومعناه في اللغة التعدي. قال ابن العربي في أحكام القرآن: إن مادة (ب غ ي) للطلب إلا أنه في العرف مقصور على طلب خاص؛ وهو ابتغاء ما لا ينبغي ابتغاؤه. وهو في الاصطلاح عرفه ابن عرفة بأنه الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته، في غير معصية، بمغالبة ولو تأوُّلًا.
ولقد حملني ما نشره بعض من يرى نفسه الداعية الإِسلامي الناجح في كتاب أسماه "مستقبل الإِسلام خارج أرضه كيف نفكر فيه؟ "على أن آتي قبل أن أتكلم على الباغية، بأدلة وجوب طاعة أولياء الأمور من الكتاب والسنة وفتاوى علماء الأمة.
لقد حملني الفضول على تناول هذا الكتاب من أحد الأصدقاء، وبوازع من حب الاستطلاع استهوتني حكاية بدأ بها لإِسلام بعض الفرنسيين، فإذا به يتهجم على بعض شراح الحديث والمفسرين، بما أستطيع القول بأنه تحريض على الفوضى وتشجيع على الخروج على أولياء الأمور، يقول مؤلف هذا الكتاب في ص ٦٢ - بعد ما تهجم على شارح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهوَ شَهِيدُ". قالوا: ولا يجب الدفاع عن المال! بل يجوز له أن يتظلم! إلا أن علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان (!) للآثار الواردة بالصبر على جوره فلا يجوز دفاعه عن أخذ المال .. ثم قال: أرأيت إلى أين يتجه الشارع وإلى أين يتجه الشارح؟ لست أشك في أن هذه الروح دفعت إليها الرهبة الجبانة، وأن إرسالها =