= على هذا النحو خدم الملوك الجورة والسلاطين المستبدين، وأتاح لهم فرض ما يشاؤون من الضرائب، ومصادرة ما يشاؤون من أملاك، دون تهيب مقاومة أو توجس عصيان. ورياضة الجماهير على قبول الضيم بفتوى شرعية (!) أفقد الشعوب ملكة الشجاعة، ووطأ ظهرها للاستعمار الخارجي، وكان ذلك يقع في البلاد الإِسلامية في الوقت الذي كانت الأمم الأخرى تصرخ بالدفاع عن الدم والعرض والمال، وتشرع الدساتير التي تقرر ذلك". انتهى بعض ما نقلته من كتابه، والذي فهمت منه أنه تحريض على الفوضى ونبذ طاعة أولياء الأمور، وحيث إن هذا المغرور يغتر كثير من بسطاء طلبة العلم بكتاباته، فقد رأيت إلفات الأنظار إلى بطلان مقصده، بجلب ما أمكن من الدليل على وجوب طاعة الوالي، وقد تزكت العجر والبجر من كلامه، إذ المقصود ليس الرد عليه وإلا فقد أفتى بإباحة لحوم الكلاب، وبأنه لا يقع إيجاب ولا تحريم إلا بنص قاطع … إلى غير ذلك من سقطاته.
أقول، وبالله تعالى توفيقي: قال الله تعالى في سورة النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(١). قال أبو هريرة: هم الأمراء، قال ابن الجوزي: وقد صوّب الإِمام أبو جعفر الطبري في جامع البيان قول من قال: هم الأمراء والولاة، لصحة الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة.
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ الْإِمَامَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ عَصَى الْإِمَامَ فَقَدْ عَصَانِي". قال البغوي: حديث متفق على صحته.
وفِي رواية أخرى عن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصنِي، فَقَدْ عَصَى اللَهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصَ الْأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي". قال البغوي: هذا حديث متفق على صحته. أخرجاه من طرق عن أبي هريرة. وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق.
وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ذر: "إِسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأسَهُ زَبِيبَةٌ". قال البغوي: هذا حديث متفق عليه، أخرجه محمد عن مسدد، عن يحيى عن شعبة وأخرجه مسلم من =