غير أَنه فكر فِي نَفسه لربما أَن جعفرا مَا زَالَ مجوسيا وَلكنه لما سمع بِأَنَّهُ كَانَ قد ولد مُسلما غمرته الفرحة وَأمر بِكِتَابَة رِسَالَة إِلَى وَالِي بَلخ ليرسل جعفرا إِلَى دمشق وَيُعْطِيه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من نفقات الطَّرِيق ووسائل الزِّينَة والتجمل وَلَو ألف دِينَار وَأَن يُرْسِلهُ إِلَى العاصمة فِي أبهى ايات الإجلال وأكملها
وَأرْسل الْوَالِي جعفرا إِلَى دمشق فَكَانَ كلما وصل مَدِينَة يخرج كِبَارهَا لاستقباله ويقيمون لَهُ المادب إِلَى أَن أوصل إِلَى دمشق وَلما وطأت قدماه أَرض دمشق خرج كبراء الدولة والجيش إِلَّا سُلَيْمَان بن عبد الْملك عَن بكرَة أَبِيهِم لاستقباله والترحيب بِهِ واخترقوا بِهِ الْمَدِينَة فِي أتم مظَاهر الإجلال والاحترام وأبهاها إِلَى حَيْثُ أنزلوه فِي قصر لَا يطاوله أَي قصر جمالا وروعة
وَبعد ثَلَاثَة أَيَّام مضوا بِهِ إِلَى سُلَيْمَان بن عبد الْملك ليمثل بَين يَدَيْهِ فَلَمَّا دخل الْقصر وَوَقعت عينا سُلَيْمَان عَلَيْهِ راقه منظره ومراه وَلما دخل إِلَى بهو الْمجْلس صَحبه الْحجاب إِلَى الْمَكَان الَّذِي أعد لَهُ بِالْقربِ من سَرِير الْملك فَأَجْلَسُوهُ وعادوا
وَبعد أَن جلس جَعْفَر أَخذ سُلَيْمَان ينظر إِلَيْهِ بدقة وإمعان وَإِذا بِهِ يقطب جَبينه وَيَقُول فِي غضب إنهض من أَمَامِي فخف الْحجاب على الْفَوْر وأخذوه وأعادوه دون أَن يدْرِي أحد عِلّة ذَلِك وَبعد أَن صلى سُلَيْمَان الظّهْر استخفه نشاط للشراب فَحَضَرَ العظماء وَجلسَ الندمان ومدت الْأَيْدِي إِلَى الصَّهْبَاء وأديرت الكؤوس مَرَّات ودب فيهم النشاط والنشوة فَلَمَّا رأى من فِي الْمجْلس انْفِرَاد طبع سُلَيْمَان وانفراج أساريره قَالَ أحد الْخَاصَّة مولَايَ الْملك لقد أمرت بإحضار جَعْفَر الْبَرْمَكِي من بَلخ بأسمى ايات الإعزاز وَالْإِكْرَام لشأن عَظِيم لَكِن مَا إِن مثل بَين يَديك وَجلسَ حَتَّى ثبطت عزيمته وأفترت همته وَأمرت بِإِخْرَاجِهِ فَمَا كَانَ سَبَب ذَلِك فالقوم فِي عجب قَالَ سُلَيْمَان لَو لم يكن جَعْفَر من أسرة عريقة وَلم يات إِلَيْنَا من مَسَافَة بعيدَة لأمرت انذاك بِضَرْب عُنُقه حَالا لِأَنَّهُ كَانَ يحمل مَعَه سما قَاتلا أَتَى بِهِ هَدِيَّة لي فِي أول مرّة يلقاني فِيهَا فَقَالَ أحد العظماء من الندامى أيامرني مولَايَ بالذهاب إِلَه لبحث الْمَوْضُوع مَعَه والبت فِيهِ فنعرف مَا يَقُول أيعترف أم يُنكر قَالَ سُلَيْمَان إذهب فَقَامَ الرجل ترك الْمجْلس إِلَى جَعْفَر وَهُنَاكَ سَأَلَهُ لقد ذهبت الْيَوْم لمقابلة سُلَيْمَان أفكنت تحمل مَعَك سما قَالَ جَعْفَر أجل وَمَا زَالَ معي إِنَّه هَذَا الَّذِي تَحت فص خَاتمِي فعلى هَذَا سَار ابائي من قبل لقد انْتهى إِلَيّ هَذَا الْخَاتم إِرْثا عَن وَالِدي لكنه لم يحدث قطّ أَن