للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورع الصحابة عن الحلف بغير الله وحفظهم لأيمانهم:

قال ابن مسعود رضي الله عنه: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغير الله صادقاً، وورد مثل قوله عن ابن عمر (١) وابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: معلقاً على كلام ابن مسعود: "لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (٢).

وعندما بلغ أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه- النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف بالآباء قال: "والله ما حلفت بها منذ سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذاكراً ولا آثراً" (٣).

وعند ما سمع عمر ابن الزبير يحلف بالكعبة قال: "لو أعلم أنك فكرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك، احلف بالله فأثم أو ابرر" (٤).

وروي عن جبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ أنه افتدى يمينه بعشرة آلاف درهم، ثم قال: "ورب هذا المسجد لو حلفت حلفت صادقاً وإنما هو شيء افتديت به يميني" (٥). قال الأشعث بن قيس: "اشتريت يميني مرة بسبعين ألفاً" (٦).

وهكذا كان ورع من بعد الصحابة من التابعين وغيرهم في حفظهم لأيمانهم.

قال عامر الشعبي _ رحمه الله_: "ولأن أقسم بالله فأحنث أحب إلي من أن أقسم بغيره فأبر" (٧).

وقال إبراهيم النخعي _ رحمه الله _: "وكان أصحابنا (مشايخنا) ينهوننا، ووردت بلفظ "يضربوننا " ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد". وفي هذا الرغبة في تمرين الصغار على طاعة ربهم ونهيهم عما يضرهم (٨).

وأثر عن الشافعي أنه قال: "ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذبا".


(١) إرواء الغليل (٨/ ١٩١).
(٢) النساء (٤٨).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد (١/ ٢٧٠) برقم (٨٨١).
(٦) معجم الطبراني الكبير، (١/ ٢٣٤) رقم (٦٣٩).
(٧) فتح الباري (١١/ ٦٥٢).
(٨) فتح الباري (١١/ ٦٦٢).

<<  <   >  >>