للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتجاهه الأساسي أخلاقي كما هو الحال عند الرواقيين والطريقة القياسية فيه مفتعلة, يتناول الفيلسوف الظواهر المعلومة بالملاحظة الظاهرة أو الباطنة، وهي كثيرة، فيحولها إلى نتائج أقيسة تحويلًا صناعيًّا، ويضع لذلك تعريفات هي أحرى بأن تكون مطالب تقتضي البرهان من أن تكون مقدمات مسلمة للبرهان؛ ومن المبادئ والتعريفات ما يعارض بعضه بعضًا، مثال ذلك: لكي يبرهن على أن الجوهرين المتغايرين لا يحدث أحدهما الآخر، يستند إلى مبدأ يقول: إن شيئين ليس بينهما شيء مشترك لا يكونان علة ومعلولا "المقالة الأولى، المطلب السادس" ولكي يبرهن على أن العقل الإلهي لا صلة له إطلاقًا بالعقل الإنساني، يستند إلى مبدأ يقول أنْ ليس بين العلة والمعلول شيء مشترك "المقالة الأولى، نتيجة المطلب ١٧ "؛ بل أحيانا يجيء البرهان على نقيض المطلوب، مثال ذلك: المطلب الخامس من المقالة الأولى معناه: "لا يمكن أن يوجد جوهران متشابهان" وبرهانه يذهب إلى أنه "لا يمكن أن يوجد جوهران متغايران"؛ وأحيانًا يبرهن على المبادئ كأنها مطالب، فيقطع تسلسل المطالب الرئيسية؛ وقلما يجيء البرهان برهانًا بمعنى الكلمة، أي: موضحًا للمطلب؛ ومنهجه المألوف أن يحيل القضية الموجبة سالبة ثم يبرهن على هذه بالخلف، كأنه يقصد قبل كل شيء إلى منع الرد عليه. هذه ملاحظات شكلية؛ أما الملاحظات الموضوعية فسنذكر بعضها فيما يلي.

٤٧ - المنهج ١:

أ- "قبل كل شيء يجب التفكير في وسيلة شفاء العقل وتطهيره لكي يجيد معرفة الأشياء". هذه الوسيلة هي التمييز بين ضروب المعرفة وتقدير قيمة كل منها لأجل الاهتداء إلى المعرفة الحقة. هناك معرفة سماعية تصل إلينا بالفعل، مثل معرفتي تاريخ ميلادي ووالدي وما أشبه ذلك، وهي معرفة غير علمية؛ فإذا صرفنا النظر عنها، انحصرت المعرفة في ثلاثة ضروب: الضرب الأول معرفة بالتجربة المجملة أو الاستقراء العامي، وهي إدراك الجزئيات بالحواس على ما يتفق بحيث تنشأ في الذهن أفكار عامة من تقارب الحالات المتشابهة مثل


١ انظر كتاب إصلاح العقل، والمقالة الثانية من كتاب الأخلاق.

<<  <   >  >>