معرفتي أني سأموت لكوني رأيت أناسًا مثلي ماتوا، وأن الزيت وقود للنار، وأن الماء يطفئها. هذه المعرفة متفرقة مهلهلة؛ وأصل اعتقادنا بهذه الأفكار وأمثالها، أننا لم نصادف ظواهر معارضة لها، دون أن يكون لدينا ما يثبت لنا عدم وجود مثل هذه الظواهر. الضرب الثاني معرفة عقلية استدلالية تستنتج شيئًا من شيء، كاستنتاج العلة من المعلول دون إدراك النحو الذي تحدث عليه العلة المعلول، أو هي معرفة تطبق قاعدة كلية على حالة جزئية، كتطبيق معرفتي أن الشيء يبدو عن بعد أصغر منه عن قرب، على رؤيتي للشمس، فأعلم أن الشمس أعظم مما تبدو لي. هذه المعرفة يقينية، ولكنها هي أيضًا متفرقة لا رابطة بين أجزائها. الضرب الثالث معرفة عقلية حدسية تدرك الشيء بماهيته أو بعلته القريبة, مثل معرفتي أن النفس متحدة بالجسم لمعرفتي ماهية النفس أو مثل معرفتي خصائص شكل هندسي لمعرفتي تعريفه، وأن الخطين الموازيين لثالث متوازيان. هذه المعرفة الأخيرة هي الكاملة لأن موضوعاتها معانٍ واضحة متميزة بكونها العقل بذاته، ويؤلف ابتداء منها سلسلة مرتبة من الحقائق، فيخلق الرياضيات والعلم الطبيعي حيث تبدو الحقيقة الجزئية نتيجة لقانون كلي، ويبين العقل عن فاعليته وخصبه، واستقلاله عن الحواس والمخيلة.
ب- يجب إذن الاستمساك بالمعاني البسيطة في بداية كل علم، فإن البساطة هي العلاقة التي يعرف بها المعنى الصادق؛ لاستحالة أن يكون المعنى البسيط معلومًا من جهة مجهولًا من أخرى. فالمعنى الصادق يقيني بذاته، لا يتعلق صدقه بعلامة خارجية، إذ إن الذهن الحاصل عليه يعلم بالضرورة أنه صادق، ولا يستطيع أن يشك فيه، ولا يطلب له ضمانًا. فالشك الديكارتي لا يتحقق إلا بالاعتقاد بإمكان وجود إله خادع. والمعنى الصادق مطابق لموضوعه؛ وليس يقال: إن المعنى صادق لكونه مطابقا لموضوعه، فإن الحقيقة تقوم في "صفة ذاتية" للمعنى نفسه، لا في المطابقة مع موضوع خارجي. ومن ثمة فالمعنى الصادق حقيقي موضوعي، فإن المطابقة تامة بين العقل الحاصل على معان واضحة متميزة وبين الوجود؛ فالمعاني المنفصلة يقابلها أشياء منفصلة، والمعاني المتصلة يقابلها أشياء متصلة "فسبينوزا يتابع ديكارت في اعتباره الفكر محصورًا في نفسه، ولكنه يرى أن الفكر صادق، وأنه موضوعي، كلما