للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحقق فيه المعنى تحققًا كليًّا فأثبت نفسه بنفسه" أما التخيل فيعلم أنه كذلك من عدم تعين موضوعه، إذ نستطيع أن نتخيله موجودًا أو غير موجود، أو أن نضيف إليه كذا أو كذا من الصفات المتضادة، وكذلك الحال في الخطأ, فإنه يضيف إلى الموضوع محمولًا لا يلزم من طبيعته بسبب أن العقل يتصور تلك الطبيعة تصورًا غامضًا. وكل الفرق بين الخطأ والتخيل أن الخطأ مصحوب بتصديق وإنما يجيء هذا التصديق من عدم توفر المعرفة الحقة، مثال ذلك: حين ننظر إلى الشمس فنتخيل أنها تبعد عن الأرض حوالي مائتي قدم، فهنا لا يكون الخطأ في هذا التخيل معتبرًا في ذاته، بل في جهلنا عند هذا التخيل المسافة الحقيقية بيننا وبين الشمس والسبب في هذا التخيل. وعلى ذلك ليس الخطأ تصور ما لا وجود له، ولكنه عدم تصور الموجود كله. والواقع أننا حين نعلم فيما بعد أن الشمس بعيدة عنا بمقدار قطر الأرض ستمائة مرة أو تزيد، لا نملك أنفسنا من أن نتخيل أنها قريبة منا. فليس في المعاني شيء ثبوتي من أجله يقال: إنها كاذبة، وإنما المعاني الكاذبة هي معان غير مطابقة أو ناقصة تؤخذ على أنها مطابقة أو كاملة. ويتضح من هذا أن الخطأ يقع في معرفة الضربين الأول والثاني، وأن معرفة الضرب الثالث بريئة منه.

ج- إذا كانت المطابقة تامة بين معاني العقل والموجودات، وكان المقصود العلم بالطبيعة، تعين على العقل أن يضع أولًا المعنى الذي يمثل منبع الطبيعة وأصلها، ثم يستنبط منه معانيه جميعا, بحيث يكون هذا المعنى هو أيضا منبع المعاني وأصلها, فنحصل بذلك على العلم الحق الذي شرطه أن يتأدى من العلة إلى معلولاتها, لكن لا المعلومات الجزئية في تعاقبها، فإنه لا يستنبط من المعاني الدائمة إلا معاني دائمة، والتعاقب لامتناه من جهة عدد الأشياء والأحداث وظروفها، والغرض استنباط الماهيات والقوانين، وترتيبها بعضها من بعض، فإن بموجبها تقع جميع الجزئيات وتترتب فيما بينها، والعقل لا يدرك الأشياء في الزمان كما تدركها المخيلة، بل في "صورة الأبدية". فلأجل استكشاف المعنى الأول الذي تلزم منه جميع المعاني، أو المبدأ الأول الذي تصدر عنه جميع الأشياء، يجب أن نلاحظ أن من خصائص العقل أنه يكون المعاني المحصلة قبل المعاني المعدولة. ومعنى المتناهي معدول في حقيقته إذ

<<  <   >  >>