"إننا نقول عن شيء: إنه متناهٍ في جنسه متى أمكن حده بشيء آخر من طبيعته، فمثلًا نقول عن جسم: إنه متناهٍ؛ لأننا نستطيع دائمًا أن نتصور جسمًا أعظم منه. وعلى العموم كل تعيين فهو حد أو عدول وسلب". وعلى ذلك فالمعنى المحصل بمعنى الكلمة هو معنى اللامتناهي أو الجوهر المطلق أو الله, وبه يجب الابتداء.
٤٨ - الله أو الطبيعة ١:
أ- تعريف الجوهر أنه "ما هو في ذاته ومتصور بذاته، أي: ما معناه غير مفتقر لمعنى شيء آخر يكون منه". وهكذا يريد سبينوزا لكي يخلص من التعريف إلى النتائج التي يقصدها, وأولاها أن الجوهر علة ذاته، أي: إن ماهيته تنطوي على وجودها، وإلا كان الجوهر موجودًا بغيره, فكان متصورًا بهذا الغير لا بذاته ولم يكن جوهرًا. "وهذا هو الدليل الوجودي, وإلى جانبه اصطنع سبينوزا حجة ديكارت القائلة: إنه كلما كانت طبيعة الشيء حاصلة على حقيقة أعظم، كان الشيء أقدر على الوجود، وللموجود اللامتناهي، أو الله، قدرة لامتناهية على الوجود، ومن ثمة فهو موجود بالضرورة". النتيجة الثانية أن الجوهر لامتناهٍ، إذ لو كان متناهيًا لكان متصلًا بجواهر أخرى تحده وكان تابعًا لها متصورًا بها لا بذاته. النتيجة الثالثة أن الجوهر واحد، إذ لو كان هناك جوهران أو أكثر لكان كل جوهر يحد الآخر, ولبطل أن يكون الجوهر جوهرًا أي: متصورًا بذاته. وعلى ذلك فالجوهر موجود بالضرورة أو واجب الوجود، سرمدي لا يكون ولا يفسد. فإذا وجد شيء عداه، لم يمكن أن يكون هذا الشيء إلا "صفة" للجوهر الأوحد أو "حالا" جزئيا يتجلى فيه الجوهر؛ وبعبارة أخرى: إن الجوهر هو "الطبيعة الطابعة" أي: الخالقة من حيث هو مصدر الصفات والأحوال, وهو "الطبيعة المطبوعة" أي: المخلوقة من حيث هو هذه الصفات والأحوال أنفسها. ولما كان هو الأوحد، كان مطلق الحرية بمعنى أنه هو الذي يعين ذاته؛ أما حريته فمرادفة للضرورة، والضرورة غير القسر، فإن الفعل الضروري فعل ذاتي منبعث من باطن. فالجوهر ضروري