للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحقائق الأزلية ضرورية لم يفرضها بإرادته "كما يذهب إليه ديكارت". ولما كان اللامتناهي لم يكن شخصًا مثل إله الديانات، وإلا لكان معينًا، وقد سبق القول: إن كل تعيين فهو سلب, فليس له عقل ولا إرادة؛ إذ إنهما يفترضان الشخصية. وإذن فالجوهر لا يفعل لغاية، ولكنه يفعل كعلة ضرورية فجميع معلوماته ضرورية كذلك، وليس في الطبيعة شيء حادث أو ممكن إلا بالإضافة إلى نقص في معرفتنا، أي: إلى جهلنا ترتيب العلل، ولا يمكن أن يقال: إن الله كان يستطيع أن يريد غير ما أراد، إذ ليس يوجد في السرمدية متى وقبل وبعد حتى يقال: إن الله كان موجودًا قبل أن يريد, ومستطيعًا أن يريد غير ما أراد.

ب- ونحن نعلم ماهية الجوهر بصفاته، والصفة هي "ما يدركه العقل من الجوهر على أنه مكون لماهيته" "كما قال ديكارت". والجوهر اللامتناهي حاصل على ما لا يتناهى من الصفات، كل صفة منها تدل على ماهية سرمدية لامتناهية في جنسها، غير أننا لا نعلم من الصفات سوى اثنتين، هما الفكر والامتداد، تجتمعان فيه مع تمايزهما وعدم إمكان رد إحداهما إلى الأخرى، فلا تبدو لنا ماهية الجوهر إلا في هاتين الصفتين أو الصورتين "اللتين ينقسم إليهما الوجود عند ديكارت".

ج- وتبدو كل صفة في أحوال أو ظواهر. وتعريف الحال أنه "ما يتقوم بشيء آخر ويتصور بهذا الشيء". فالأجسام أحوال للامتداد نتصورها به ولا نتصوره بها كما تتوهم المخيلة، أي: ليس الامتداد معنًى كليًّا مكتسبًا بالتجريد من الأجسام, ولكن الأجسام أجزاء من الامتداد الحقيقي المعقول، أو هي حدود فيه، كما أن كل متناه فهو عدول اللامتناهي. فليس التمايز بين الأجسام تمايزا حقيقيا، إذ إنها جميعًا امتداد، ولكنه تمايز حالي عرضي ناشئ من أن الحركة تفصل في الامتداد أجزاء تكون منها أجسامًا. والحركة حال للامتداد، وهي ثابتة الكمية في الطبيعة، أي: إنها حال سرمدي كالصفة ذاتها؛ لأنها تدل على ما هو ثابت في الطبيعة تحت التغيرات المختلفة. أما الجسم الجزئي الذي يدوم فترة من الزمان، فليس فيه شيء يربطه بماهية الصفة السرمدية، وإنما علة وجوده أجسام أخرى متناهية مثله حركته وجعلته ما هو، وعلة هذه

<<  <   >  >>