للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للحكم الاستبدادي، ويدعو سبينوزا للحكم الديمقراطي، ويقول: كلما اتسعت مشاركة الشعب في الحكم قوي التحابّ والاتحاد. غير أنه يعود إلى موقف هوبس في الدين فيذهب إلى أن السلطة هي الحاكمة في الدين وهي حاميته، وأن حقها في ذلك مطلق، وإلا تفرق الرأي بتفرق العقول والأهواء، واختل النظام العام. ولا يكتسب الدين قوة القانون إلا بإرادة السلطة، من حيث أن ليس للعقل من حق في حال الطبيعة أكثر مما للشهوة والقوة، وأن مظاهر العبادة يجب أن تعين تبعًا لأمن الدولة وفائدتها. والولاء للدولة أرفع صور التقوى، إذ لو زالت الدولة لما بقي خير ما، ونجاة الشعب القاعدة الكبرى لجميع القوانين المدنية والدينية. ولم يكن حق السلطة موضع نزاع قط عند العبرانيين، وكان ملوكهم يعلمونهم الدين, ولكن الحال اختلف عند المسيحيين فقد قام بتعليم الدين فيهم أفراد، واعتادوا زمنًا طويلًا الاجتماع في كنائسهم بالرغم من إرادة حكوماتهم؛ ولما أخذت المسيحية تدخل في الدولة ظل رجال الدين يعلمونها كما وضعوها، حتى للأباطرة، فكسبوا الاعتراف لأئمتها بصفة وكلاء الله.

د- على أن نفس الإنسان لا يمكن أن تكون ملكًا خالصًا لآخر، وما من أحد يستطيع أن ينزل لآخر عن حقه الطبيعي في استخدام عقله والحكم على الأشياء. ومن الضار جدا للدولة أن تحاول استعباد العقول، كما أن من الضار جدا أن تترك للأفراد مطلق الحرية في الاعتقاد والعمل. ولكن الفرد لا ينزل إلا عن حق العمل بحكمه الخاص، وإلا استحال قيام الدولة؛ أما حق التفكير بحرية فخالص له تمامًا؛ ويجب أن يكفل له أيضًا حق الكلام بشرط ألا يجاوزه إلى العمل, وأن يدافع عن رأيه بالحجة لا بالحيلة أو العنف، ولا رغبة في تعديل نظام الدولة بسلطته الخاصة، بل يدع للسلطة حق الحكم، ويمتنع من كل فعل يعارض إرادتها، حتى لو اضطر للعمل بخلاف ما يعتقد. ولا خطر في ذلك على عدالته وتقواه، بل إن ذلك واجبه من حيث إن العدالة تتعلق بإرادة السلطة ليس غير.

<<  <   >  >>