للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدرته من جهة أخرى، فدوّن كتابًا آخر ضخمًا أسماه "محاولات في العدالة الإلهية" " ١٧١٠ " ودل على لفظ العدالة الإلهية بلفظ مركب من اليونانية هو Theodicee فبقي هذا اللفظ للدلالة على الإلهيات الطبيعية، وأخيرًا عرض مذهبه مرة ثالثة في رسالة قصيرة لأحد الأمراء بعنوان "المونادولوجيا" " ١٧١٤ ". وهذه الكتب هي التي يرجع إليها بنوع خاص لبيان فلسفته.

٥٣ - منهجه:

أ- عرف ليبنتز منهجه ومذهبه في عبارة مأثورة تدلنا على سعة ثقافته وعمق تفكيره، قال: "لقد تأثرت بمذهب جديد, ومنذ ذلك الحين أظنني أرى وجهًا جديدًا لباطن الأشياء. هذا المذهب يبدو جامعًا أفلاطون إلى ديمقريطس، وأرسطو إلى ديكارت، والمدرسيين إلى المحدثين، واللاهوت والأخلاق إلى العقل. ويلوح أنه يأخذ الأفضل من كل صوب، ثم يمضي إلى أبعد مما مضوا للآن. وإذا التفتنا إلى آثار الحقيقة هذه عند القدماء, استخرجنا التبر من التراب, والماس من المنجم، والنور من الظلمات، وأقمنا فلسفة دائمة". هذه الفلسفة تضم طرفًا من كل مذهب، وتوفق بين الأضداد توفيقًا مبتكرًا. والأضداد كثيرة: الكلي والجزئي، الممكن والموجود، المنطقي والميتافيزيقي، الرياضي والطبيعي، الآلية والغائية, المادة والروح، الحس والعقل، تضامن الأشياء وفاعلية كل منها، ترابط العلل والحرية الإنسانية، العناية الإلهية والشر، الفلسفة والدين. لقد بانت هذه الأضداد متنافرة متباعدة حتى لم ير من سبيل أمام الفكر سوى الاختيار بينها والميل إلى جانب دون آخر؛ غير أن "كثرة الفرق على حق في كثير مما تثبت، لا فيما تنفي"؛ ويدلنا التاريخ على تعاون متصل بين الأجيال، فقد حصل الشرقيون على أفكار جميلة جليلة في الإلهيات، واكتشف اليونان المنهج الاستدلالي وشكل العلم، ونبذ آباء الكنيسة ما كان رديئًا في الفلسفة اليونانية، وحاول المدرسيون أن يستخدموا لصالح المسيحية ما كان معقولًا في فلسفة الوثنيين، وجاءت فلسفة ديكارت بمثابة الرواق المؤدي إلى الحقيقة.

ب- وقد برزت هذه النزعة عند ليبنتز مذ كان يدرس الرياضيات

<<  <   >  >>