بجامعة يينا إذ استوقفته التأليفات الرياضية، فخطر له أن يبحث عن قوانين تأليفات مماثلة لأجل الفلسفة، يعني أن يستخلص المعاني البسيطة الأولية ويرمز لها بإشارات تكون بمثابة ألف باء الفكر، ثم يعين جميع التأليفات الممكنة لهذه الأوليات ويرمز لها بإشارات، وذلك على مثال تعيين الأضرب الممكنة للقياس الاقتراني، وحينئذ يستطاع بالحساب وحده البرهنة على صدق أي قضية، بل الاهتداء إلى قضايا جديدة، وتكوين "لغة كلية" من الإشارات جميعًا أو "علم الخصائص الكلي" يكون في آن واحد منطقًا ودائرة معارف وأجرومية. وقد وضع ليبنتز في ذلك "رسالة في فن التأليف"" ١٦٦٦ " تحتوي على أصول اختراعه حساب الفوارق. وشغل طول حياته بمشروع لغة فلسفية دون أن يصل إلى نتائج مفيدة.
ج- على أنه سيظل يعتبر المعرفة الحقة البرهان اللمي كما هو بادٍ في الرياضيات, ولا يتيسر هذا البرهان إلا بتحليل المركب إلى العناصر البسيطة لاتخاذها مبادئ, فما هي مبادئ الفلسفة؟ لقد اقتصر سبينوزا على مبدأ عدم التناقض، ولكن هذا المبدأ يهيمن على الرياضيات والممكنات المعقولة، ولا يفيد في تفسير تحقيق ممكنات معينة دون غيرها؛ فلا بد من مبدأ آخر لتعليل الوجود الواقعي، هو مبدأ السبب الكافي، أي: إن ما يوجد فإنما يوجد عن سبب كافٍ، وهذا مبدأ خاص بالفلسفة "ولا بد أن يكون هذا الفرق بين الممكن والواجب هو الذي صرف ليبنتز عن وضع أصول اللغة الفلسفية الكلية". وإلى مبدأ السبب الكافي يرجع مبدآن آخران هما صيغتان جزئيتان له: أحدهما مبدأ الاتصال، ومؤداه أن الانتقال متصل في الطبيعة بلا طفرة، بحيث لا تنشأ الحركة من السكون مباشرة ولا تنتهي إليه مباشرة، بل تبدأ بحركة أدق، وتنتهي إلى حركة أدق، بحيث لا نفرغ من عبور أي خط قبل أن نعبر خطا أصغر، وهذا المبدأ مثال بارز لتأثير الرياضية في الفلسفة، فإنه ترجمة فلسفية للانهاية الرياضية، وله شأن كبير في مذهب ليبنتز كما سنرى، والمبدأ الجزئي الآخر يسمى مبدأ اللامتمايزات، ومؤداه أن شيئين جزئيين لا يمكن أن يتشابها تمام المشابهة وإلا لم يتمايزا، بل يجب أن يفترقا بفارق كيفي ذاتي مطلق فوق افتراقهما بالعدد.