للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

د- ومن شأن مبدأ اللامتمايزات أن يجعلنا نفرق بين المعنى الواضح الذي يسمح بتمييز شيء من آخر، ويقابله المعنى الغامض، وبين المعنى المميز الذي هو معرفة تفاصيل الشيء، وإذا كان الشيء مركبًا، معرفة خصائص كل جزء من أجزائه، ويقابله المعنى المختلط. وعلى ذلك يمكن أن يكون المعنى واضحًا دون أن يكون متميزًا، فمعنى اللون مثلا واضح جدًّا، ولكني حين أتصوره لا أتبين عناصر اللون؛ والعلامات الجبرية واضحة، ولكني لا أتصور مدلولاتها فالمعنى المتميز دون سواه يعبر عن باطن الشيء, ويستحق اسم المعرفة الميتافيزيقية. وكان ديكارت قد جعل من "الوضوح" علامة الحقيقة، واعتبر التميز مصاحبًا له بالطبع، إن لم يعتبره مرادفًا له؛ ولكن يجب أن نضع بينهما الفرق الحاسم المتقدم، وأن نضع نوعين من المعرفة لم يميز بينهما ديكارت، وهما المعرفة الرمزية أو العمياء وهي واضحة ولكنها مختلطة، والمعرفة الحدسية وهي وحدها المتميزة إطلاقًا. وستتبين هذه المبادئ والقواعد بما في المذهب من تطبيقات لها.

٥٤ - نقد المذهب الآلي:

أ- يخبرنا ليبنتز أنه أخذ أول أمره بنظرية الصور الجوهرية كما قال بها أرسطو والمدرسيون، ثم بدا له أن هذه الصورة لا توجد إلا في العقل، ولا تصلح مبادئ لتفسير الأشياء، فانتقل إلى الآلية، فلما فحص عن أسسها وعن قوانين الحركة، وجد الآلية ناقصة، فعاد إلى الصور الجوهرية، ولكن على نحو خاص به. وهو يبين نقص المذهب الآلي بنقد صورتيه المعروفتين، وهما نظرية ديكارت ونظرية ديموقريطس. الأولى تعتبر المادة متصلة, ويمكن تسميتها بالآلية الهندسية، والأخرى تعتبر المادة منفصلة، ويمكن تسميتها بالآلية الحسابية.

ب- يرى ديكارت أن الامتداد ماهية الجسم, ويجعل من الجسم شيئًا منفعلًا فحسب، ولكن هذا الرأي لا يفسر "قصور" الجسم أي: مقاومة المادة للحركة، فإن الجسم الكبير أصعب تحريكا من الصغير، والجسم المتحرك لا يحرك إذا حرك آخر ساكنًا إلا ويفقد بعض حركته من جراء مقاومة الآخر. ثم إن هذا الرأي لا يفسر بين الجسم المتحرك معتبرًا في نقطة من خط سيره وبين الجسم الساكن إذ لا يمكن إثبات اتصال الحركة إلا بوساطة فكرة القوة أو الميل،

<<  <   >  >>