ولولا هذه الفكرة لعادت الحركة عبارة عن سلسلة سكونات, وكيف يستطيع ديكارت أن يفترض بقاء كمية الحركة هي هي في الطبيعة مع قوله بانتقال من الحركة إلى السكون وبالعكس، فإن مثل هذا الانتقال عبارة عن تلاشي حركة وخلق أخرى. وعلى ذلك تقوم ماهية الجسم في القوة، وهي علة الحركة، وتظل باقية حتى ولو وقفت الحركة:"إنها ما في الحالة الراهنة يحمل تغيرًا مستقبلًا". وفكرة القوة فكرة ميتافيزيقية تجاوز نطاق العلم الطبيعي, ونطاق الآلية.
ج- أما ديموقريطس فيقول بجواهر فردة يفصل بينها خلاء, ولكن الجوهر الفرد لا يمكن أن يكون وحدة بمعنى الكلمة أي: جوهرًا حقًّا، فإن كل جسم مهما افترضناه صغيرًا فهو ممتد، وكل امتداد فهو منقسم أي: إنه مجموع جواهر. وإذن فالمادة كثرة بحتة، وما الجواهر الفردة المادية إلا أثر لضعف مخيلتنا التي تحب أن تسكن وتتعجل الوصول إلى نهاية في التقسيم والتحليل. والكثرة كثرة وحدات بمعنى الكلمة؛ وليس من وحدة بمعنى الكلمة إلا وحدة الموجود اللامادي غير المنقسم. فيجب القول بأن الكثرة تقوم في وحدات لامادية، في "جواهر فردة صورية" أو "نقط ميتافيزيقية". وهي محكمة أي: غير منقسمة، ووجودية في نفس الوقت؛ فهي وسط بين الجوهر الفرد المادي الذي هو وجودي وغير محكم، وبين النقطة الرياضية التي هي محكمة وغير وجودية. وبذا نبلغ إلى الميتافيزيقا من هذه الناحية أيضًا, نبلغ إلى فكرة الوحدة الصورية فنحصل على فكرة متميزة عن وجود الجسم بعد أن بلغنا إلى فكرة القوة وحصلنا على فكرة متميزة عن ماهية الجسم. فنكون قد بلغنا بامتحان صورتي الآلية إلى نتيجة واحدة هي أن الموجود وحدة قوة.
د- ولنا أن نقول: إن ليبنتز على صواب في نقده للمذهب الآلي وفي ثبات القوة والوحدة للجسم، وإنه على خطأ في نفي الامتداد. وإنما كانت مهمة نظرية الصورة الجوهرية عند أرسطو تفسير القوة والوحدة في الجسم مع بقاء الامتداد. ولكن ليبنتز اعتقد أن قبول الامتداد للقسمة إلى غير نهاية معناه أن الامتداد منقسم بالفعل إلى غير نهاية, وهذا غلط وقع فيه زينون الأيلي وانخدع به كثير من الفلاسفة من بعده. وعلى هذا الأساس بنى ليبنتز فلسفته, فلنمض معه إلى غايتها.