أ- الجوهر الواحد بوحدة تامة خليق باسم مطابق له, وهذا ما حمل ليبنتز، بعد أن قال "الجوهر" على أن يقول "مونادا"" ١٦٩٦ ". واللفظ يوناني الأصل معناه الوحدة، وقد أخذه عن جوردانو برونوا أو أحد الكيميائيين من معاصريه. وكان قد ظهر بلندن سنة ١٦٧٢ كتاب لطبيب فيلسوف اسمه فرنسيس جليسون، فيه نظرية مماثلة لنظرية ليبنتز؛ فهل عرفه أثناء إقامته بلندن وتأثر به؟ لا ندري. ومهما يكن من هذه النقطة، فإن المونادا عنده قوة متجهة إلى الفعل بذاتها، حاصلة على التلقائية، فلا تفعل بتحريك محرك مغاير كما هو الحال في المادة, في رأي أرسطو والمدرسيين وديموقريطس وديكارت، فإن التأثير الخارجي اصطدام جزء بجزء وليس للمونادا أجزاء. وهذه القوة وسط بين القوة والفعل كما عرفهما أرسطو, مثلها مثل حبل مشدود إلى جسم ثقيل، أو قوس مشدودة؛ هي فعل كامن، وجهد مستمر يتجه إلى الفعل التام. فحالاتها كلها باطنة، يتولد بعضها من بعض بحيث يكون حاضرها حافظًا لماضيها, مثقلًا بمستقبلها. ويلزم من ذلك أنها حياة ونزوع -وبذا تقوم قوتها- وأنها حاصلة على ضرب من الإدراك -وبذا تقوم وحدتها- وأنه يجب من ثمة تصورها على مثال النفس، والنفس هي القوة الوحيدة التي ندركها في ذاتها كما يجب القول بأن كل مونادا فهي حاصلة على خصائص ذاتية تتشخص بها تبعًا لمبدأ اللامتمايزات، وإلا لم تتمايز فيما بينها. وهكذا نتصور من باطن، أي: بالانعكاس على نفسنا، ما قادنا إليه تحليل الظواهر الخارجية، ونعلم أن الآلية والميتافيزيقا على حق, كل في دائرة. الآلية هي الظاهر والسطح، والمونادا هي الباطن والصميم. فكل ما يحدث يحدث آليا وميتافيزيقيا معًا، وليس في الطبيعة جماد أو قصور، بل كل موجود فهو حي؛ وليس بين الموجودات من تفاوت في الحياة إلا بالدرجة، تبعًا لمبدأ الاتصال الذي يستبعد الانتقال الفجائي. وهذا التفاوت بالدرجة هو بحسب درجة تميز الإدراك والدرجات أربع هي: مطلق الحي أي: ما يسمى جمادًا والنبات، فالحيوان، فالإنسان، فأرواح بعضها فوق بعض إلى غير نهاية. والفرق بين ما يسمى