الإدراك فعلها كانت تدرك دائمًا بالضرورة، ولكننا لا نشعر دائمًا أننا ندرك، فيلزم أن يكون فينا إدراكات غير مشعور بها. ثانيًا أن هناك ظواهر لا تعلل بغير التسليم بمثل هذه الإدراكات, كصوت الأمواج، فإنه صوت مجموعي يتضمن الأصوات الصغيرة المؤلف منها؛ وكالأفعال التي تبدو غير معقولة، فإنها تعلل بإحساسات ضعيفة غير مشعور بها آتية من داخل الجسم أو من الخارج، وهذا يدل على أن شيئًا واحدًا بعينه يمكن أن يتصور على أنحاء لامتناهية من حيث إن هناك درجات لامتناهية في التصور المتميز؛ ويدل على أن عدد المونادات لامتناهٍ.
د- لما كانت المونادات مستقلة بعضها عن بعض تتغير من الداخل فتتولد حالاتها بعضها من بعض, كما سبق القول, وجب تفسير توافق حالاتها. ولا يفسر هذا التوافق إلا بافتراض خالق منسق "وهذا دليل إني على وجود الله" والقول بأن الله لما خلق النفس والجسم "أي: ما يبدو جسمًا" وضع فيهما قوانينهما بحيث يتوافقان، أي: إن الجسم يوجد معدا بذاته للفعل في الوقت الذي تريد النفس وعلى النحو الذي تريد، وإن النفس تحصل بذاتها على الإدراكات المقابلة لاستعداد جسمها، فيتلاقى الفعلان بموجب "تناسق سابق" مثلهما مثل ساعتين وفق الصانع بينهما فظلتا متوافقتين دون تفاعل. وقد يقال: إذا كان كل شيء يجري في النفس كأن ليس هناك سوى النفس والله، فلم قرن الله الجسم بالنفس؟ أليس الجسم عديم الفائدة؟ فيجيب ليبنتز أن هذا الاعترض صادر من مبدأ الاقتصاد في العمل moindre action وهو مبدأ سليم، ولكن هناك مبدأ آخر هو مبدأ الأحسن أو مبدأ العلل الغائية، وبمقتضاه وجب أن يخلق الله أكبر عدد من الجواهر الممكنة، وأن يجعل تغيرات النفس مقابلة لشيء في الخارج, على أنه يمكن القول: إن الجواهر تتفاعل، بشرط أن يُقصَد بذلك تأثير معنوي باطن شبيه بالتأثير الحقيقي من حيث المعلولات، فيكون معنى الفعل والانفعال أن المونادا تفعل من حيث هي حاصلة على كمال، وأنها تنفعل من حيث هي ناقصة، أو أن مونادا معينة هي أكمل من أخرى متى كان فيها علة ما يجري في الأخرى، أي: متى كانت حاصلة على أفكار متميزة هي في الأخرى مختلطة.