للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هـ- هكذا رأى ليبنتز أن يحل مسألة اتحاد النفس والجسم وتفاعلهما، وكانت قد شغلت ديكارت فذهب إلى أن النفس تتلقى حركات الجسم فتعدل اتجاه هذه الحركات "إذ كان مفهومًا عنده أن كمية الحركة في العالم باقية كما هي, وأن النفس من ثمة لا تخلق حركة"؛ ولكن ليبنتز يعترض عليه بأنه إذا كان من غير المعقول أن تعطي النفس الجسم حركة، فمن غير المعقول أن تستطيع التغير في اتجاه الحركة؛ لأن مثل هذا التغيير لا يتيسر إلا بزيادة كمية الحركة أو إنقاصها. وذهب مالبرانش إلى أن الله هو الذي يحدث ما يقع للنفس والجسم من حركات بعضها بمناسبة بعض، وليبنتز يتفق معه في إنكار تفاعل الجواهر، ويوجه إلى رأيه انتقادين فيقول: إنه يرجع الظواهر إلى علة عامة بدل أن يعين عللها القريبة، وإنه يلجأ إلى الله لجوء اليائس أي: إلى معجزة متصلة، على حين أن نظرية سبق التناسق إن لجأت إلى الله، فالله فيها علة مباشرة للجواهر فحسب لا للظواهر، إذ إنه يخلق جواهر فاعلة بالطبع بموجب قوانين ذاتية, ولا يحل هو محلها بمعجزة متصلة. وهنا نلمس أهمية مسألة اتحاد النفس والجسم، وتطورها من ديكارت إلى ليبنتز بعد مالبرانش وسبينوزا، وأثرها في تفاعل الموجودات إجمالًا، بل في مبدأ العلية نفسه، إذ إننا لو أنكرنا تفاعل الموجودات وهو ماثل للعيان لم يبق لدينا ما يختم الاعتقاد بالعلية.

وكيف يفسر تصورنا لعالم خارجي في هذه الفلسفة؟ من البين أن العالم لا يمكن أن يكون فيها إلا ظاهريا أي: مجموعة ظواهر من حيث إن المونادات جميعًا لامادية. فالمادية هي الموجود منظورًا إليه من خارج، هي إحالة النسبة الميتافيزيقية بين وسيلة وغاية نسبة كمية بين أجزاء, ذلك بأنه يوجد في كل مونادا إدراك مختلط إلى جانب الإدراك المتميز، وهذا الإدراك المختلط لما بين الأشياء من نسب منطقية هو الذي يعطيها في نظرنا ظاهرا أشياء قاتمة في المكان والزمان. والجسم مجموعة مونادات ترأسها مونادا مركزية هي بالإضافة إليه كنفسنا بالإضافة إلى جسمنا, أو هو مجموعة إدراكات مختلطة, وما من إدراك متميز إلا وينطوي على إدراكات دنيا لا نهاية لها؛ وما الجسم الآلي آخر الأمر إلا صنع الفكر يؤلف بين إدراكاته، فليس للجسم وحدة حقة، وإنما وحدته آتية من إدراكنا، فهو موجود خيالي أو ظاهري. فالنفس

<<  <   >  >>