وتطبيقها، كما هو الحال عند أفلاطون؛ أي: بمعنى أن التجربة مجموع المعارف الحادثة العارضة للنفس من ذاتها، بينما نعني بالعقل مجموع المبادئ الضرورية, والحقائق الكلية اللازمة منها.
ج- ومتى كانت المونادا مشتملة منذ الأصل على استعدادات للفعل، كما يقضي مبدأ اللامتمايزات ويقضي سبق التناسق، لزم أن جميع أفعالها صادرة عنها، وأن هذا معنى الحرية. إن وجود الإرادة في حال توازن تام تفعل بعده بحرية، وجود غير معقول وغير ممكن. أما أنه غير معقول فلأن مبدأ اللامتمايزات يحول دون المساواة التامة في الطبيعة. فالفوارق موجودة ولو لم نشعر بها، وفي النفس إدراكات كثيرة غير مشعور بها. وأما أن التوازن التام غير ممكن؛ فلأن نتيجة عدم الفعل، لا الفعل من حيث إن الفاعل لا يجد سببًا يميل به إلى جهة دون أخرى، كما يروى عن حمار بوريدان ١. فالحرية "جبرية نفسية" خاضعة لمبدأ السبب الكافي الذي يعني أن الفاعل المختار هو الأحسن؛ وهو سبب أدنى يحتل مكانًا وسطًا بين الحرية العمياء التي نجدها عند ديكارت والجبر الذي نجده عند سبينوزا, لا مجال عند ديكارت لغير الحادث، ولا مجال عند سبينوزا لغير الضروري، ولكن القضية الضرورية هي التي محمولها متضمن في مفهوم موضوعها، أو التي ترد إلى مثل هذه القضية, فنقيضها يتضمن تناقضًا؛ والقضية الممكنة أو التجريبية هي التي لا يتضمن نقيضها تناقضًا ولا ضرورة لها. فالفعل الحر فعل ممكن من بين أفعال أخرى ممكنة. وما الشعور بالحرية الذي يعتمد عليه ديكارت، إلا عدم الشعور بأسباب الفعل, وكثيرًا ما تكون هذه الأسباب دقيقة غير مشعور بها؛ مثلنا في ذلك مثل الإبرة الممغنطة، لو كان لها شعور لتوهمت أنها حرة في اتجاهها صوب الشمال؛ لعدم إدراكها الحركات غير المحسوسة في المادة المغناطيسية.
ط- الحقيقة أن لا فرق بين الإمكان الذي يقول به ليبنتز وبين الضرورة التي يقول بها سبينوزا، فإن ممكنًا واحدًا بعينه من بين الممكنات كان محتومًا بمقتضى مبدأ اللامتمايزات ومبدأ سبق التناسق، فيكون حكمه حكم الضروري؛ وليبنتز يقول: "من الثابت أن لكل حمل بمعنى الكلمة أساسًا في طبيعة الأشياء, وحين لا يكون محمول القضية متضمنًا صراحة في الموضوع، يجب أن يكون
١ انظر كتابنا "تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط" ص ٢٤٩.