للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذ ليس بصحيح ما زعمه سبينوزا من أن جميع الممكنات تتحقق، فإنها متعارضة متنافرة لا تلتئم في نظام واحد. وحتى لو سلمنا بتحقيقها جميعًا للزم أنها تتصارع, وأن بعضها يتغلب فيبقى الغالب فقط. والدليل الثالث يؤخذ من المتجانسات التي لا يلحقها تعارض؛ ذلك بأن مبادئ الأشياء الحادثة، وهي الزمان والمكان والمادة، متجانسة تحتمل كل تعيين فليست تقتضي المادة بذاتها الحركة دون السكون، ولا حركة معينة دون أخرى، فلا بد من علة تختار وتحقق وتكون موجودًا ضروريًّا ينطوي على علة وجوده.

ب- وأما الدليل اللمي فهو دليل القديس أنسلم على هذه الصورة: يجب التمهيد له ببيان أن الله ممكن، أي: إن فكرة الله لا تتضمن تناقضًا، فيصير الدليل هكذا: "إن الله واجب بموجب ماهيته، فإذا كان الله ممكنًا كان موجودًا". والله ممكن، فإنه الموجود اللامتناهي، وليس يوجد فيه ولا خارجًا عنه ما يحد من ماهيته: أما فيه فصفات لامتناهية مؤتلفة في بساطة تامة، ولا تناقض إلا في المركب من عناصر متنافرة؛ وأما خارجًا عنه فليس يوجد شيء مكافئ له. ففكرة الله لا تتضمن تناقضًا، فالله ممكن, والممكن -كما سبق القول- يقتضي الوجود أو يميل بذاته إلى الوجود بقدر ما فيه من كمال، ولما كان الله غير متناه، فليس يعترض ميله إلى الوجود شيء مغاير له, كما تتعارض الماهيات المتناهية؛ لذا يذهب ميله بذاته إلى الوجود. فالممكن الذي هو الله موجود بمحض كونه ممكنًا، والإمكان والوجود شيء واحد فيه.

ج- الله خالق المونادات: "إن الله، إذ يدير -إن جاز هذا التعبير- على جميع الجهات وجميع الأنحاء النظام الكلي للظواهر, الذي يرى من الخير أن يحدثه ليعلن مجده، وإذ ينظر إلى جميع وجوه العالم على جميع الأنحاء الممكنة, من حيث أن ليس هناك من علاقة تغيب عن علمه الكلي، فنتيجة كل نظرة إلى العالم من جهة معينة جوهر يعبر عن العالم طبقًا لهذه النظرة". والله حافظ المونادات, لقد ظن ديكارت أن ليس بين آنات الزمان ارتباط ضروري، فاعتبر الحفظ خلقًا متجددًا، ولكن الخلق ينقل المخلوق من الإمكان إلى الوجود والحفظ يحفظ عليه الوجود المستمر؛ لأن المخلوق متعلق بالعلية الإلهية على

<<  <   >  >>