للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدوام. والله هو العلة الوحيدة "كما هو الحال عند مالبرانش وسبينوزا" من حيث إن المونادات لا تتفاعل، وإن فعلها "نشر" المطوي فيها. فالاتجاه واحد عند الفلاسفة الثلاثة، وهو اتجاه إلى وحدة الوجود.

د- هل كان الخلق فعلًا ضروريًّا؟ رأى سبينوزا أنه ليس يمكن أن تصدر أفعال الله اعتسافًا فأخضعها للضرورة؛ ورأى ديكارت أن ليس يمكن أن يكون الله خاضعًا للضرورة فأطلق له الحرية. ولكن يجب التمييز بين الحقائق الضرورية والحقائق الممكنة. أما الأولى فليست تابعة للإرادة الإلهية، إذ لو كانت العدالة "مثلًا" وضعت اعتسافًا ومن غير سبب، لما بدت في ذلك طبيعة الله وحكمته، ولما كان هناك ما يلزمه بالعدالة من حيث إنه يستطيع أن يغيرها. وأما القضايا الممكنة فتابعة للضرورة الأدبية التي تقوم في اختيار الأحسن، وهي وسط بين الضرورة المطلقة والحرية المطلقة، نتبينها في إرادتنا تميل بها ولا تضطرها، وهي الضرورة الخاصة بمبدأ السبب الكافي، والممكنات، وإن كان كل منها على حدة ممكنًا في ذاته، ليست ممكنة كلها بعضها مع بعض؛ ومن بين التأليفات الممكنة التي لا تحصى، يوجد بالضرورة التأليف الذي يحقق أكبر كمية من الماهية أو الإمكان، وهو هذا العالم الذي هو خير العوالم الممكنة، فخلقه الله من حيث إن الله لا يفعل شيئًا إلا بمقتضى حكمته الفائقة, فالتفاؤل لازم من حكمة الله وخيريته.

هـ- وماذا نقول في الشر إذن؟ يجب التمييز بين أنواع ثلاثة للشر: الشر الميتافيزيقي وهو النقص بالإجمال، والشر الطبيعي وهو الألم، والشر الخلقي وهو الخطيئة، فأما الشر الميتافيزيقي فلا محيص عنه، إذ إن النقص والحد والعدم ملازمة للموجود المتناهي، ولكن إذا ذكرنا أن الله لم يخلق أي مخلوق إلا وقد لحظ مكانه في الكل، وأنه خلق خير العوالم الممكنة، لزم أن كل مخلوق فهو حاصل في كل آن على ما يحق له من كمال بالإضافة إلى الكل؛ وإنما تبدو لنا الأشياء أقل كمالا مما كان يمكن أن يكون؛ لأننا لا ندركها إلا مفرقة وهذا خطأ وقع فيه بيل. وثمة خطأ آخر وقع فيه، هو اعتبار الله علة الشر، وقد قلنا: إن الشر الميتافيزيقي حد وعدم، وليس يقتضي العدم علة. وأما الشر الطبيعي أو الألم فيفسر بأنه نتيجة للشر الميتافيزيقي أو للشر الخلقي، آتية من

<<  <   >  >>