أن لنا جسمًا وهذا خير، وأن الأجسام الطبيعية مترابطة، وهذا خير أيضًا, وأن الخطيئة تستحق العقاب، على أن الألم قد يكون إنذارًا باجتناب ضرر، أو وسيلة لاكتساب ثواب, فيكون سببًا للخير. وعلى كل حال ليست الشرور من الكثرة والخطورة على ما يقوله المتشائمون, إنها لتعد كمية مهملة بالقياس إلى الخيرات في الحياة الإنسانية وفي جملة لعالم، ويمكن التغلب عليها بالعقل والمران. وأما الشر الخلقي فعلته القريبة حرية الإنسان التي هي في ذاتها خير عظيم، فهو ليس محتومًا, وليس يريده لله بإرادة سابقة، بل إنما يسمع به كجزء من العالم الذي هو خير العوالم الممكنة، من حيث إن الله لا يقرر خلق الأشياء مفردة. فما على الإنسان إلا أن يحسن استعمال الحرية، وما منحنا الحرية إلا لنحسن استعمالها. هذا إلى أن الشر الخلقي نفسه قد يكون سببًا لخير أعظم، فلولا خيانة يهوذا لما كان المسيح صلب وخلص البشر. فالخير والتناسق والنظام صفات ظاهرة في مملكة الطبيعة, وهي أظهر وأعظم في مملكة النعمة أو مدينة الله التي تضم الأرواح العاقلة الأخلاقية. في مملكة النعمة الله ملك أو بالأحرى أب؛ وفي مملكة الطبيعة الله صانع يدبر بقوانين آلية. فالتفاؤل يؤخذ بنوع خاص من اعتبار النظام الخلقي ومملكة النعمة.
٥٧ - الأخلاق والدين:
أ- يتبين النظام الخلقي من جملة إدراكاتنا المتميزة، فإنها هي المطابقة لطبيعتنا وطبيعة الوجود. فواجبنا أن نتوقف عن العمل بناء على إدراكاتنا المختلطة، فما الخطيئة إلا الفعل الصادر عن إدراك ناقص. وواجبنا أن نروض النفس على العمل بناء على إدراك متميز, بل إن واجبنا الأول العمل على اكتساب الإدراكات المتميزة أي: القواعد الكلية، فإننا بذلك نحقق كمال عقلنا الذي هو ماهيتنا ونحصل على سعادتنا الحقة التي هي الغبطة العقلية. والإدراك المتميز يبعث على العمل, وكلما تعمقناه وجلوناه زاد تعلقنا بالخير, في حين أن الجهل سبب انحرافنا عن الطريق القويم، وأن مجرد ترديد القواعد الكلية عقيم لا يثير فينا ميلًا إليها. وكلما اتسع مجال إدراكنا المتميز قوي شعورنا بعلاقتنا بإخواننا في الإنسانية وبالله. ومن ثمة كلما ازددنا كمالا اغتبطنا