الآن فعلًا ماضيًا "م ٢ ف ٢٧ ". غير أن هذا وصف لشعورنا بالشخصية، وليس تفسيرًا لإمكان الذاكرة والشخصية. أليس التذكر يستلزم بقاء الأنا الذي يتذكر هو هو؟ هذه مسألة يراها لوك مجاوزة لدائرة التجربة البحتة, فلا يريد أن يعرض لها. كذلك يفعل في مسألة ما إذا كان الأنا روحيًّا أو ماديًّا، بسيطًا أو مركبًا، وهذه مسألة تقتضي حل مسألة أخرى هي ما إذا كانت المادة تستطيع أن تفكر أو لا تستطيع، ولا سبيل إلى حلها لأننا نجهل جوهر المادة كما نجهل جوهر النفس. فليس بوسعنا أن نتأكد إن كانت قوة التفكير تلائم طبيعة المادة أو لا تلائمها، وقد يكون الله كون جسمًا ما بحيث يقدر أن يفكر ونحن لا ندري.
ج- والله موجود، ولكن ماهيته مجهولة لا يستطيع عقلنا أن يعينها. ولسنا نؤمن بوجود الله بناء على معنى غريزي، بل بناء على برهان. إن المعنى الغريزي معدوم بالمرة عند الذين يقولون: إنهم ملحدون، وعند بعض القبائل المتوحشة وهو إن وجد عند العامة, فإنه مشبع بالتشبيه ولا يطابق حقيقة الله. فلو كان في النفس معنى غريزي عن الله لآمن بالله جميع الناس وتعقلوه كما هو, وليس بصحيح أن معنى اللانهاية سابق على معنى النهاية كما يدعي ديكارت، وإنما اللانهاية معنى معدول، ونحن نتصور لانهاية الله عددًا غير محدود من أفعال الله بالإضافة إلى العالم، ونتصور سرمدية الله زمانًا غير محدود، أي: إن تصورنا اللانهاية ليس تصور لانهاية متحققة بالفعل، وإنما هو تصور تدرج لانهاية له، وإن كانت اللانهاية الإلهية في ذاتها شيئًا آخر يفوق تصورنا وكفايتنا المحدودة. أما البرهان على وجود الله فهو أن الموجود الحادث الذي هو أنا يستلزم موجودًا سرمديًّا كلي القدرة، وعاقلًا أيضًا من حيث إنه خلق في العقل، وخالق المادة من حيث إنه خلق نفسي، وإن خلق المادة أيسر من خلق النفس. وهذا البرهان برهان على وجود الله وعلى ماهيته في آن واحد دون حاجة إلى معنى غريزي. ولكن لوك يعول على مبدأ العلية، وهو عنده مركب بفعل النفس غير موضوعي، ويتحدث عن العقل والمادة والنفس والسرمدية كما لو كان يدرك كنهها، وقد قرر أن عقلنا يجهل الكنه ولا يدرك سوى الظواهر, فهو يعود إلى فطرة العقل برغمه ودون أن يشعر.