للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معاني الجزئيات التي أدركتها، وتركيبها وتفصيلها على أنحاء مختلفة, ولكن يجب على كل حال أن يكون لها شكل ولون. وكذلك معنى الإنسان عندي يجب أن يكون معنى إنسان أبيض أو أسود أو أسمر، مقوم أو معوج، طويل أو قصير أو متوسط. ومهما أحاول فلست أستطيع تصور المعنى المجرد. ومن الممتنع عليّ أيضًا أن أتصور المعنى المجرد لحركة متمايزة من الجسم المتحرك، لا هي بالسريعة ولا بالبطيئة، ولا بالمنحنية ولا بالمستقيمة, وقس على ذلك سائر المعاني الكلية المجردة" ١. والوجدان يشهد بأن "اللامعين ممتنع التصور" وهنا خطأ باركلي والحسيين جميعًا. إن هذا الخطأ قائم في الظن بأن "عدم التعيين" من جهة الأعراض المحسوسة المتخيلة لا يدع مجالًا لتعيين من جهة العناصر المعقولة المقومة للماهية. أجل لا يمكن أن تكون الصورة الخيالية غير معينة من جهة الأعراض؛ لأن الأعراض موضوعات الحس والخيال! أما المعنى المجرد فغير معين من جهة الأعراض، ومعين من جهة الخصائص الذاتية، وهذه الخضائص هي المدركة به وفيه. إن العقل يدرك أن الشكل واللون يختلفان في أفراد الإسان، وأن السرعة والاتجاه يختلفان في الحركات، فيحكم بأن هذه الأعراض غير لازمة بالتعيين، وأنه يجب صرف النظر عنها وتصور الإنسان حيوانًا ناطقًا، وتصور الحركة مجرد نقلة من مكان إلى آخر.

ب- غير أن باركلي يضطر إلى التلطيف من تطرف موقفه في ثلاث نقط حيث يعترف بالكلية، وبالفرق بين الحد أو التعريف وبين المعنى مما يتصوره هو، وبأن لنا دراية ما بالنفس وبالروحيات التي هي غير محسوسة ولا متخيلة. أما الكلية فيفسرها بأن معنى جزئيا يؤخذ ليمثل سائر المعاني الجزئية التي من جنسه أو من نوعه، ولكن الجنس أو النوع لا ينشأ من إدراك شيء هو هو، بل من الإحساس بالتشابه. مثال ذلك أن المعنى المجرد للمثلث الذي لا يمثل نوعا من أنواع المثلثات هو معنى متناقض، ولا يستطيع أحد أن يكونه، وليس في ذهن الرياضي سوى معنى جزئي، بيد أن هذا المعنى يمكن أن يكون "كليا من حيث دلالته" أي: يمكن أن يمثل "أي مثلث كان" ٢. ولولا


١ مقدمة كتاب "مبادئ المعرفة الإنسانية".
٢ مقدمة كتاب "مبادئ المعرفة الإنسانية" " ١٢ و ١٥ ".

<<  <   >  >>