للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تشبع باركلي بالاسمية لرأى غريبًا أن يكون المعنى الجزئي "كليا من حيث دلالته" ولساءل نفسه: أليست هذه الدلالة عين المعنى المجرد الكلي؟ وإذا كانت هناك أنواع يضم كل منها أفرادًا فكيف لا تقابلها معان مطابقة لها؟ إن تفسيره يرجع إلى القول بأننا لا نعقل النوع، ولكننا مع ذلك نضع اسمًا يدل على النوع. أما الحد المستعمل في العلوم فإن باركلي يقبله، ثم ينكر أن يكون له معنى مقابل في الذهن، ويقول: إن أصحاب المعاني المجردة يخلطون بين المعنى الذي يتصور "وهو جزئي" وبين الحد الذي لا يمكن أن يتصور. والحال هنا كالحال في النقطة السابقة, فلو أن باركلي ساءل نفسه: كيف يمكن أن يوجد الحد دون إدراك مقابل؛ لرأى نقص المذهب الحسي. وأخيرًا اضطر باركلي ابتداء من سنة ١٧٣٤ إلى أن يدل بلفظ notion على معرفة الروح والروحيات والعلاقات بين المعاني، وهي أمور لا تتخيل كالمحسوسات، وهذا إقرار منه بأن لدينا معارف مغايرة للمعارف المتخيلة والتي يدل عليها بلفظ ١ ided. يضاف إلى ذلك أنه في الطبعة الثالثة لكتاب السيفرون المنشورة قبل وفاته بسنة، حذف الفقرات الثلاث التي كان لخص فيها نقده لمذهب المعاني المجردة.

ج- ولكنه كان قد ناقش أصول الرياضيات والعلم الطبيعي بناء على الاسمية فوصل إلى أقوال نجد مثلها شائعًا الآن على أقلام كثير من الفلاسفة والعلماء ٢. أهم هذه الأقوال أن الحساب والجبر علمان اسميان, فإننا لا نعتبر فيهما الأشياء بل العلامات, ولا نعتبر هذه لذاتها بل لأنها توجهنا في استخدامنا للأشياء. إن معنيي العدد والمقدار إذا أخذا بغض النظر عن المحسوسات كانا معنيين مجردين ومن ثمة كاذبين. ومعنى اللامتناهي باطل، فمن المحال أن يوجد معنى مكان لامتناه من حيث إن كل معنى فهو متناه؛ ومن المحال أن يوجد خط لامتناهي الصغر من حيث إن كل خط فهو قابل للقسمة، ومن المحال قسمة المقدار إلى ما لانهاية من حيث إن المكان المدرك بالحس متناه دائمًا، وإن هناك حدا أدنى ملموسا أو مبصرا لا يدرك وراءه شيء، ومن ثمة لا يوجد دونه شيء. وما معنى الزمان إلا معنى تعاقب المعاني في الذهن, وأما المكان


١ الطبعة الثالثة من الكتاب السابق " ١٤٢ ".
٢ هذه المناقشة موضوع كتاب "علة الحركة" وكتاب "التحليل" أي: الرياضي.

<<  <   >  >>