للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن اللامادية تبين بطلانه "على ما سنرى". فمتى لم تكن المبادئ الرياضية معقولة لم تكن الرياضيات علومًا، وإنما هي فنون أو صناعات مفيدة في العمل. وأما العلم الطبيعي فموضوعه قوانين الحركة وتفاعل الأجسام، ولكن اللامادية تبين أن الطبيعة جملة معانٍ، فليس لنا أن نضيف للأجسام قوة وفاعلية، وليس يوجد رباط ذاتي بين ما يسمى علة وما يسمى معلولا، وما نظام العالم إلا نتيجة الإرادة الإلهية، وإنما يريد الله النظام محبة بنا؛ لكي نستمد من التجربة توقعا مفيدا في أفعالنا المستقبلة. إذا كان هذا هكذا كانت المعجزات معقولة، وفهمنا كونها استثنائية.

د- هذا الشك في قيمة العلم من الوجهة النظرية مبني على الشك في قيمة المعاني المجردة، أي: على الخلط يبن تخيلنا للشيء وتعقلنا له أو حكمنا عليه بكذا وكذا. وكان هذا الشك عزيزًا على باركلي، فقد أفاد منه سلاحًا يطعن به الملحدين ويؤيد الدين, إذا كان العلماء يقبلون المبادئ النظرية وهي غير معقولة, فبأي حق يهاجمون العقائد الدينية؟ وإذا كانوا يقبلون المبادئ النظرية لمرماها العملي، فلم لا يقبلون العقائد الدينية التي تولد في النفس الإيمان والمحبة؟ فالاعتقاد بالمعاني المجردة سبب قوي للإلحاد, وهو سبب قوي للاعتقاد بالمادة الذي هو سبب آخر للإلحاد. وهكذا يرى باركلي في الاسمية تأييدًا للإيمان، وتجيء الاسمية على يده ضربا من الفلسفة المسيحية. ولكنه يمحو اللاهوت النظري بأكمله، فيتفق مع النزعة البروتستانتية التي ترمي إلى مجرد الإيمان في حين أن الاتجاه العام في المسيحية كان إلى التعقل بقدر المستطاع، على ما حاوله آباء الكنيسة والمدرسيون من بعدهم.

٧٣ - اللامادية:

أ- إنكار المادة لازم من المبدأ التصوري القائل: إن الموضوعات المباشرة للفكر هي المعاني دون الأشياء. وباركلي يأخذ على ديكارت ولوك اعتقادهما بوجود المادة بعد قولهما: إن المعاني أحوال للنفس، ويقرر أن "وجود الموجود هو أن يدرِك أو أن يدرَك" وهذه عبارة مأثورة عنه. والمدرك معنى، وغير المدرك لا وجود له. إن الفلاسفة القائلين بالمادة يعترفون بأنهم لا يدركونها

<<  <   >  >>