للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في ذاتها, فما الفائدة من وضعها؟ وماذا عسى أن تكون؟ إنها معنى مجرد يمتنع تصوره بمعزل عن الكيفيات، فهي معنى باطل. وعلى هذا المعنى الباطل تقوم وحدة الوجود عند سبينوزا وأضرابه، فإنهم يجمعون فيه جملة الأشياء، وعليه تقوم المادية، فإنها ترد إليه جملة الوجود، وما الأجسام في الحقيقة إلا تصورات الروح, فالاعتقاد بالمادة عديم الجدوى وفيه خطر كبير.

ب- وإلى التدليل على أننا لا ندرك المادة قصد باركلي في رسالته "نظرية جديدة للرؤية" فيبين أن البصر لا يدرك بذاته مقادير الأشياء وأوضاعها ومسافاتها، إذ إن المسافة أية كانت ما هي إلا خط أفقي يقع على نقطة واحدة من الشبكية. وكل ما يدركه البصر إن هو إلا علامات أو دلائل على المسافات والأوضاع والمقادير؛ ذلك بأن إدراك الكيفيات الأولية يرجع في الأصل إلى اللمس وحده، وبتكرار التجربة ينشأ تقارن بين مدركات اللمس وبين بعض الإحساسات البصرية، هي اختلافات الأضواء والألون، أو بعض الإحساسات العضلية الناجمة من حركات العينين، فتصير هذه كافية لتقدير مسافات الأشياء وأوضاعها ومقاديرها ولا تدعنا العادة نشعر بذلك، بل نعتقد أننا نبصر الكيفيات الملموسة ونحن نستنتجها استنتاجًا من الكيفيات المبصرة التي هي علامات عليها. وإذا افترضنا أنفسنا خلوا من هذه التجربة أشبهنا الأكمه الذي يستعيد البصر فلا يستطيع التمييز بين مكعب وكرة بالبصر وحده وقبل لمسهما، إذ لا "تبدو له المبصرات إلا كسلسلة جديدة من المعاني أو الإحساسات, كلها قريب إليه قرب إحساسات الألم أو اللذة" أي: كلها ذاتي داخلي. تظن العامة أن هناك نسبة بين الامتداد المبصر والامتداد الملموس لشيء بعينه، والحقيقة أن "معاني اللمس والبصر نوعان متمايزان متغايران" وليس بينهما ارتباط ضروري، بل كل ما بينهما تقارن تجريبي: "إن معاني البصر، حين نعرف بها المسافة والأشياء القائمة على مسافة, لا تدلنا على أشياء موجودة على تلك المسافة, وإنما هي تنبهنا فقط إلى ما سوف ينطبع في ذهننا من معاني اللمس "أي: الإحساسات اللمسية" تبعًا لأفعال معينة". أما المعاني اللمسية فهي وسائر المعاني سواء في كونها ذاتية. وقد سلم لوك بأن الكيفيات الثانوية لا توجد إلا بما هي مدركة فيجب أن ينسحب هذا على الكيفيات الأولية أيضًا.

<<  <   >  >>